سباق بين الحوار السوري-السعودي لتجنيب لبنان الفتنة والضغط الأميركي لإصدار القرار الظني باغتيال الحريري
موضوع شهود الزور هز التضامن الوزاري وقد يسقط الحكومة
بيروت –
في اليوم الذي صادف مرور عام على تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري (9 تشرين الثاني 2009) كان مجلس الوزراء يجتمع، على عنوان انفراطه وتطيير الجلسة، على خلفية الخلاف بين طرفي حكومة ما سمي بـ”الوحدة الوطنية” حول إحالة شهود الزور في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى المجلس العدلي، أو القضاء العادي، حيث عاش اللبنانيون ساعات من التوتر والقلق، على ما ستؤول إليه الجلسة، التي انتهت إلى إرجاء بت الموضوع الى جلسة لاحقة، بانتظار الاتصالات السورية-السعودية، التي لم تنقطع منذ القمة الثلاثية التي انعقدت في قصر بعيدا وحضرها العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، وأكدت في بيانها على الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وعلى استمرار عمل الحكومة، والأحتكام إلى المؤسسات الدستورية، وقد حمت هذه القمة الحكومة وما زالت، وهي مستمرة بفضل الحوار السوري-السعودي الذي يعلّق عليه آمالاً الرئيس نبيه بري، وأطلق قبل أكثر من عامين مقولته الشهيرة اتفاق “س-س”، التي تلخص اتفاق سوريا والسعودية حول لبنان، لأن طرفي النزاع الداخلي فيه هما حلفاء للدولتين ويتأثران بهما، كما أن جزءاً أساسياً من خلافهما متأتٍ منهما سياسياً، لأن كلاً من دمشق والرياض في محور مختلف عن الآخر، في مسألة الصراع العربي-الإسرائيلي، ومن موضوع العلاقة مع إيران، وفي التعاطي مع المشاريع الأميركية للمنطقة، لكن مصالحة الكويت بين الملك عبدالله والرئيس الأسد في آذار من العام 2009، وفّرت أرضية للولوج إلى فتح كوّة في الاستقرار اللبناني، أفضى إلى انتخابات نيابية في أيار 2009، بعيداً عن التشنج السياسي، كما اتجهت بلبنان نحو الهدوء والوصول إلى حكومة وحدة وطنية تشكّلت من المعارضة والموالاة وحسمت موضوع الثلث الضامن في داخلها، بأن أودع وزيران لقيا موافقتهما في حصة رئيس الجمهورية.
هذه الحكومة التي رفعت شعار وضع أولويات المواطنين موضع التنفيذ، لم تنفذ شيئاً من وعودها، ولا مما تضمنه بيانها الوزاري، لأن التناقضات السياسية داخلها، والتجاذبات حول مسائل أساسية ومصيرية، تركها عرضة للاهتزاز، وفقدان التضامن داخلها، إذ هي تعرضت أكثر من مرة للانهيار، الذي كان يوقفه التدخل السوري-السعودي، وخوف الداخل اللبناني من أن يذهب الوضع إلى الفراغ والمجهول، فكان التأجيل للأزمات، هو الذي تعمل به الحكومة التي أصابها الشلل، وأن إنجازاتها حتى الآن محدودة جداً، حتى أن أزمة السير التي وعدت بحلّها مازالت تتعقّد، بالرغم من محاولات وزير الداخلية زياد بارود، العمل على تفكيك هذه الأزمة التي تفاقمت مع حوادث السير القاتلة، والتي يبلغ عدد ضحاياها سنوياً حوالي ألف قتيل، ونحو عشرة آلاف جريح وخسارة مادية تقدر بحوالي أكثر من مليار دولار سنوياً، وهو ما فضح هذه الحكومة التي في ظلها تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وارتفعت الأسعار وزاد الغلاء وتوسعت البطالة وازدادت الهجرة لا سيما في صفوف الشباب.
فالخلاف الحكومي يعكس الأزمة الوطنية في لبنان، والقائمة منذ عقود، والتي ظهرت مع تقدم المشروع الأميركي من جديد باتجاه الساحة اللبنانية وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، ورفع شعار من قبل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، تعميم الديمقراطية في “الشرق الأوسط الجديد” وأتخذ من لبنان ساحة اختبار له، بعد أن فشل فيه بعد غزوه العراق، فكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذريعة للعبور إلى لبنان، كما كانت مزاعم وجود سلاح دمار شامل في العراق مدخلاً لاحتلاله.
فلبنان الذي انتصرت المقاومة فيه، في تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، وفي ردع إسرائيل من احتلاله مرة جديدة في العام 2006، وهزيمة جيشها على تخوم حدوده الجنوبية من رأس الناقورة إلى شبعا، فإن وضعه السياسي الداخلي تأثر بما أحدثته المقاومة، التي يقف ضدها فريق لبناني له ارتباطات سياسية خارجية، لا سيما مع أميركا ودول غربية، وأخرى عربية، أقامت علاقات مع إسرائيل، كما أن البعض منهم تعاون علناً مع العدو الإسرائيلي، وشاركه اعتداءاته واجتياحاته للبنان، كما وقف معه في تصفية المسألة الفلسطينية، ومحاربة الفلسطينيين وذبحهم، تحت عناوين باطلة، منها ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني المقاوم، الذي يتنافى وجوده وانتشاره، كما زعموا، مع الدولة التي وقّعت مع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق القاهرة في العام 1969، وهي الشعارات نفسها التي تطلق منذ سنوات ضد المقاومة اللبنانية بكل تلاوينها لا سيما “حزب الله” الذي تسلّط الأضواء عليه، لأنه أثبت بمقاومته الشرعية بالدستور والبيانات الوزارية قدرة وقوة على مواجهة إسرائيل وإفشال مخططاتها.
هذا الخلاف الوطني، حول دور المقاومة وموقع لبنان من الصراع مع العدو الإسرائيلي، هو ما يلقى بثقله على الحكومة الحالية، التي لم يكن من السهل أن يتضمن بيانها الوزاري عبارة أن الدفاع عن لبنان مهمة يقوم بها الجيش والشعب والمقاومة، وقد تحفّظ وزراء “الكتائب” و”القوات اللبنانية” والنائب بطرس حرب عليها ولم يكن الحريري راغباً بها، لولا أنه محكوم أن يترأس حكومة تضم كل شرائح المجتمع اللبناني السياسي والطائفي، فاضطر مرغماً على القبول بهذه العبارة، التي كان فريقه السياسي والحزبي، يتناولها بالنقد، ويهاجم المقاومة، ويصفها بالميليشيا، كما يحاول تشويه صورتها، من خلال إعطاء سلاحها الصفة المذهبية، وأنه سلاح يقوّض الدولة ومؤسساتها.
هذه النظرة المتباعدة داخل الحكومة، هي التي تشل عملها، أكثر من أي موضوع آخر، حيث لا يقف الخلاف حول المقاومة فقط، بل على العلاقة مع سوريا، إذ أن الحريري وبالرغم من زيارته دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، الذي انفتح عليه واحتضنه لإعادة تعزيز الثقة بين البلدين، إلا أن “تيار المستقبل” ونوابه وإعلامه، لم يتوقف عن مهاجمة سوريا، وعندما طلب الحريري تخفيف الهجمة ضدها، كان حلفاؤه في “14 آذار” يقومون بالمهمة، حيث لم توفر الأمانة العامة لـ”14 آذار” في بياناتها الأسبوعية من انتقاد سوريا، إضافة إلى المقاومة، مما خلق شكاً في نية الحريري الصادقة بإقامة علاقة جيدة وممتازة مع سوريا، التي كان يبيعها مواقف دون أن يترجمها إلى أفعال، كما حصل في قضية شهود الزور الذين اعترف بدورهم في تضليل التحقيق وتخريب العلاقة مع سوريا والإساءة إلى آل الحريري، حيث لم يبادر نجل الشهيد إلى محاكمة هؤلاء الشهود والقبول بإحالة قضيتهم إلى المجلس العدلي، لكشف حقيقة من هم ومن يقف وراءهم، لأنه بذلك يمكن الوصول إلى معرفة من اغتال الرئيس الحريري، الذي تمنّع وريثه السياسي عن ذلك، خوفاً من أن تطال المحاكمة منظومته السياسية والأمنية والقضائية والإعلامية، وتنكشف الأضاليل التي روّجوا لها منذ تفجير موكب الحريري في 14 شباط، ويؤدي ذلك إلى “سقوط الحريرية السياسية” التي بات نقد نهجها السياسي وأدائها المالي والاقتصادي، هو مس بالأموات ومنهم رفيق الحريري، الذي أظهرت التقارير أن سياسته المالية والاقتصادية كلّفت لبنان ديوناً وصلت إلى 60 مليار دولار، وهذا ما كان يتمّ تحذيره منه منذ توليه رئاسة الٍحكومة نهاية عام 1992.
فالشهود الزور، قد يفجرون الحكومة، بعد أن أصبح القرار الظني قيد الصدور، وقد يوجه الاتهام إلى عناصر من “حزب الله” الذي أكّد أمينه العام السيد حسن نصر الله أن الحزب لن يتجاوب معه، وهو مرفوض، لأنه مفبرك ويستهدفه، وسيقطع اليد التي تحاول أن تصل إلى أي عنصر منه، حيث أوصل رسالة في إطلالته بـ”يوم الشهيد” إلى الداخل والخارج أن المحكمة الدولية هي أداة أميركية وإسرائيلية، وأن من أنشأها فإنما لاستهداف المقاومة، وهو بدأ مع صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، والذي تطبق المحكمة الشق المتعلق منه بنزع سلاح المقاومة، عبر اتهام عناصر منها باغتيال الحريري، ولن يقتصر الاتهام عليهم بل سيتدرج باتجاه رأس القيادة السيد نصر الله.
وإذا كان السيد نصر الله أعطى فرصة جديدة للحوار السوري–السعودي، لكنه يعرف أن أميركا ومعها إسرائيل لن تسمح بإجهاض القرار الظني الذي بات معلوماً أنه من صناعة إسرائيلية، وأن ما كشفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في مذكراته التي عنونها بـ”لحظة القرار” عن الدور الذي أدّاه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في صناعة القرار 1559، وهو ما فضحه أيضاً الصحافي الفرنسي صاحب كتاب “سر الرؤساء” ليس إلاّ تأكيد على أن المؤامرة تستهدف المقاومة، وقد عدّد السيد نصر الله فصولها الخمسة، التي تمكّن الحزب وحلفاؤه في المعارضة من إحباط الفصول الأربعة منها، والتي بدأت بالقرار 1559، إلى الإغراء بالسلطة، إلى العدوان الإسرائيلي في صيف 2006، إلى أحداث 7 أيار التي كانت انتفاضة مسلحة بوجه قرار الحكومة الذي استهدف شبكة اتصالات المقاومة.
فالفصل الخامس من المؤامرة، والذي يتمثل بالمحكمة الدولية وقرارها الظني، فإنه يريد رأس المقاومة، التي قررت الدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة، وهي وضعت الخطط المناسبة، لا سيما ردع الفتنة التي ستتأتى عن القرار والذي يريد صانعوه والمخططون له، أن يزج المقاومة بصراع مذهبي، وتحويل سلاحها إلى الداخل لاستنزافه. ففسحة الأمل التي أعطيت للبنانيين، متوقفة على الحوار السوري– السعودي، وهناك سباق بينه وبين صدور القرار الظني الذي تستعجله أميركا التي كشف مسؤولون فيها أنه سيتهم عناصر من “حزب الله” الذي يتم الانتقام منه، لأنه ألحق الهزيمة بـ إسرائيل التي تتعهد الإدارات الأميركية المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية بأمنها والحفاظ على وجودها، وقد عقد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اجتماعات في واشنطن مؤخراً ركزت على حفظ أمن إسرائيل، وتقديم الضمانات الأميركية لها، وتزويدها بالأسلحة المناسبة.
فما يجري في الداخل اللبناني، له عنوان واحد، وهو كيف يمكن التخلص من المقاومة وسلاحها، وأن أطرافاً لبنانية تسير في هذا النهج، وارتبطت بتعهدات منذ العام 2005، أن تنفّذ ما هو مطلوب منها أميركياً، وهو ما كشفه السيد نصر الله، الذي أكّد أن لدى “حزب الله” المستندات التي تكشف عن تورط قوى سياسية لبنانية، في التعاون مع المخططات الخارجية لا سيما الأميركية منها، وأن الحزب قد لا يستمر في هذه الحكومة التي باتت في واقع المستقيلة عملياً، وأن تصحيح الوضع الحكومي ينتظر موقفاً من الحريري، لجهة محاكمة شهود الزور ومصنّعيهم، وكيف سيتعاطى مع القرار الظني المفبرك واستمرار تسييس المحكمة الدولية؟
Leave a Reply