ديربورن – خاص “صدى الوطن”
اختتمت كلية “هنري فورد” الجامعية في مدينة ديربورن يوم الثلاثاء في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) مهرجان الأفلام “رؤى شرق أوسطية” بجزئه الثاني الذي امتد لسبعة أيام بعرض ثان أساسي للفيلم الوثائقي “الراديكالي الأميركي: محاكمات نورمان فينكلستين” بمحاضرة القاها الباحث الأميركي وتبعها مناقشة معه حول العديد من المسائل والقضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وقضايا شرق أوسطية وعالمية أخرى.
ووصفت نشرة “شيكاغو ريدر” الفيلم بـ”الجذاب” وبأنه “بداية جدل مضمونة”.
وخلال محاضرته في كلية “هنري فورد”، التي اتسمت بالنبرة الهادئة والصريحة وبالشمولية، عرض ابن العائلة اليهودية التي نجت من المحرقة النازية، والمنتقد للسياسة الخارجية الإسرائيلية ومؤلف كتابي: “هذه المرة ذهبنا بعيدا: حقيقة وتداعيات اجتياح غزة”، و”ما بعد تشاتزباه (الثقة المفرطة بالنفس): حول إساءة استخدام معاداة السامية واضطهاد التاريخ”.. عرض نظرياته الشخصية حول الوضع الإنساني المتردي في فلسطين المحتلة.
وتناول فينكلستين في محاضرته أولا ما دعاه الحجة الأفضل لدى كل طرف في قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قبل أن يستنتج بأن الجانب الفلسطيني هو على ضفة حقيقة القانون الدولي فيما يتعلق بمستوطنات الضفة الغربية التي تعتبر غير شرعية.
كذلك أثار فينكلستين قضية الاستعمار الأوروبي لافريقيا وإعادة تأسيس الحدود بين دول القارة السمراء بعد انكفاء دول مثل بريطانيا العظمى والبرتغال، ودول أخرى فيما يخص الوضع في فلسطين.
وأكد فينكلستين أن وحدة ارضي كل دولة هي في الغالب أولوية في قضايا من هذا النوع وقد تجد نصيبها من التنفيذ في فلسطين اذا وافقت اسرائيل على حق العودة للذين شردوا من أرضهم.
وألمح فينكلستين الى إمكانية تعديل الحدود توطئة للدولة الفلسطينية المنشودة عندما قال “قد لا يبدو الاقتراح عادلا لكنه يمثل حلا عمليا بدون اثارة مشاكل جديدة”.
وقال: “يمكنك فهم الوضع الذي عايشه اليهود بعد الحرب العالمية الثانية والذي يدفعهم الى إغفال أي مبدأ عدالة أو القول لأنفسهم للحظة بأن العدالة القصوى يجب أن تتجسد في حقنا في مكان نعيش فيه”.
وقد اثار هذا المفهوم الذي ساقه فينكلستين من باب الجدل النظري، حفيظة الناشط العربي الأميركي دان يونس الذي كان يستمع الى المحاضرة، الى جانب مسألة الحدود فأبدى اعتراضا شديدا على المحاضر وقاطعه بالقول:
“يجب أن أؤمن بحق اليهود بوطن، لكن ليس في وطني وأرضي، أو وطن أو أرض إخوتي الفلسطينيين والأراضي العربية الأخرى التي تعرضت للغزو الإسرائيلي ومنها أرض آبائي وأجدادي في لبنان”.
وخاطب يونس فينكلستين قائلا: “إن الفلسطينيين لهم الحق بالعودة إلى فسطين. ماذا سنفعل بسبعة ملايين لاجئ؟ إلى أين تريدهم أن يذهبوا؟” وأوضح الناشط يونس، بعد المحاضرة التي غادرها احتجاجا إن ما ساقه المحاضر فينكلستين حول إهمال العدالة (من قبل اليهود) أوحى بأن الفلسطينيين مسؤولون بطريقة ما عن محنة وتشرد اليهود وأجبروا على دفع ثمن جرائم الهولوكوست ضدهم. وقال يونس “إن العالم الإسلامي برمته يدفع الثمن الآن (بسبب الاحتلال)، ونحن كمسلمين ومسيحيين يجب علينا إنقاذ الديانة اليهودية من براثن الصهاينة، وإلا فإنهم سوف يدمرون الديانات اليهودية والإسلامية والمسيحية”، قبل أن يغادر القاعة احتجاجا على ما اعتبره تعاطفا من قبل فنكلستاين مع الصهاينة، في حين أن الأخير يعتبر معاديا للطروحات الصهونية ومناصرا لقضية الشعب الفلسطيني.
وقد رد فينكلستين على الملاحظات الغاضبة لدان يونس بالقول إنه كان يحاول تقديم محاضرة تثقيفية إلى طلاب جامعيين لإطلاق نقاش ومن ثم ترك الناس يقررون أين تقف العدالة.
وغطى النقاش لاحقا عددا كبيرا من المواضيع وشارك فيه عدد من الحاضرين متنوعي الانتماءات. وأكد فينكلستين أن من المهم أن نثابر على الإشارة الى أن ما تقوم به اسرائيل من احتلال واستيطان وهو غير شرعي وبأن للفلسطينيين الحق في العودة والتعويض عما أصابهم.
وتناول فينكلستين تحديا آخر يواجهه جيل الشباب وقال علينا إن نكون مبدئيين بأن لا أحد يمتلك الحق في أن يقول للفلسطينيين بأن يتخلوا عن حقوقهم بموجب القانون الدولي، مقابل الحصول على السلام، أو أن يتخلوا عن حق العودة أو القبول بالمستوطنات.
لكنه تساءل “هل هنالك أي سبب للاستمرار في القول بأن السبعة ملايين (ملاجئ فلسطيني) سوف يعودون الى فلسطين”؟ وقال “هذا لا يفيد بشيء وفقط يخلق مشكلة جديدة”. في اشارة الى جزء كبير من الفلسطينيين مثل البروفيسور في علم الإنسانيات في الكلية نبيل ابراهيم الذي ساعد على تنظيم اللقاء، والذي يدرس في الكلية ويعيش في أميركا ومن غير المحتمل أن يعود الى فلسطين.
لكن فينكلستين اعترف في الوقت ذاته بالأوضاع البائسة التي يعيشها اللاجئون في المخيمات وقال إن هذه “مشكلة حقيقية” بحاجة الى اهتمام فوري.
واعترف فينكلستين أيضا بأن هنالك الكثير من القذارة في الأمم المتحدة في اشارة الى القرارات والتوجيهات الدولية بخصوص القضية الفلسطينية والتصويت الأميركي في سجلات الأمم المتحدة، وقال: “أنت ترى دائما العالم كله في جانب (مع الفلسطينيين) والولايات المتحدة واسرائيل في جانب آخر”.
ثم انتقد فينكلستين استخدام قنابل الفوسفور الأبيض في الحرب على قطاع غزة في أواخر 2008 وأوائل 2009 مذكرا الحضور بأن هذا السلاح الرهيب المحظور استخدامه في مناطق مدنية قد جرى دفع ثمنه بواسطة أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
وقال هنري هيرسكوفيتز أحد أعضاء “منظمة شهود لأجل السلام” اليهود من مدينة آناربر إنه لم يكن راضيا عن المحاضرة لأنها لم تشر الى حل معين للمشكلة. واضاف “اشار (فينكلستين) الى ان مقاطعة اسرائيل سوف تؤذي الفلسطينيين لكنني اعتقد أن هذا المفهوم يعاكس حقائق التاريخ، فمقاطعة نظام جنوب افريقيا على سبيل المثال افادت السكان السود هناك”. وعبر هيرسكوفيتز عن تحفظه أيضا على مفهوم فينكلستين حول “العدالة المعقولة” قائلا إنه بشكل أساسي يريد أن تحتفظ اسرائيل بما يقرب من 80 بالمئة من فلسطين المحتلة.
لكن فينكلستين روى للحضور قصته عن تلطيخ اسمه بالوحل من بدايات عام 2007 في جامعة “دي بول” في شيكاغو حيث كان يدرس وجرى تسريحه من العمل بسبب الطبيعة المثيرة للجدل التي ميزت كتبه.
وفي نهاية المحاضرة بادر العديد من الطلاب بمن فيهم طلاب فلسطينيون وعرب أميركيون ومسلمون وآخرون الى التقاط صور تذكارية مع فينكلستين، معتبرين أن هذا المحاضر نجح مرة جديدة في تقديم خطاب مثير للانقسام في حرم جامعي أميركي.
Leave a Reply