لم تكن الليلة عادية، ولم يكن المخطط عابر؛ فتحت جنح ظلام بلادٍ تلونت شمسها بسواد ظلم الامبراطوريات المتعاقبة.. قرر المنتصرون الجدد (حتى قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى) تقسيم المناطق العربية؛ وبالأخص منطقة سوريا الكبرى.
وبما أنه هناك لكل سهرة عرابوها؛ أخذ البارون “بيكو” واللورد “سايكس” على عاتقهما إدارة إحدى أكثر ليالي المنطقة حساسية، فعن بعد الآف الأميال قاموا بدهاء (الذي فاق دهاء مرؤوسيهم) بتقسيم أراضي الخلافة المتهالكة. وأتينا بعدها من كل حدبٍ وصوب لنشجب ما حدث، ولنتقاسم مع “الخليفة الجديد” قطعة الجبنة التي تشكلت من دمائنا. وبعد انتهاء الحرب، وتحديداً في العام ١٩٢٠ أعلن الحاكم العسكري “غورو” قيام دولة لبنان الكبير الذي وسّع نظام المتصرفية الذي أنشأ ليكون شوكة في خاصرة “الخليفة” العثماني ليشمل بعضاً من ولايتي عكا والشام.
وكان أن أنشأ المفوض السامي الجمهورية اللبنانية (؟!)، ودار جدال عقيم بين أهل بلاد الشام وأهل المنطقة الجديدة في “بلادهم” حول هوية المنطقة وتاريخها أفضى الى ثورة بيضاء من قبل اللبنانيين (على المفوض ذاته)، التي أدت بنهاية المطاف الى منح الاستقلال لبلاد لم تكن موجودة قبل عشرين عاماً؛ واتبع ذلك وقوع كل المناطق العربية في شرك “الاستقلال”؛ إلا فلسطين التي ما زالت حتى اليوم تذكرنا بعجزنا وغبائنا.
واليوم بعد مرور ٦٧ عاماً (وان ذكرنا هذا الرقم بهزيمة نصرّ على تسميتها “نكسة”) يقف لبنان المستقل عند مفترق طرق رُسم عشية رسمه؛ فهو لا يستطيع العودة الى ما قبل تلك السهرة المجنونة ليعاود الانصهار في محيطه، ولا يستطيع المضي قدماً الى حيث ينسلخ عن محيطه.. وهذا حال كل المنطقة التي أصبحت كيانات تعادي بعضها البعض لأجل مصالح وهمية رسمها المستعمر بدمنا.
ليس المطلوب الرجوع بالزمن الى الوراء، ولا المطلوب الانسلاخ التام عن واقعنا؛ ولكن حبذا لو نستفيد من ماضينا لنبني غداً تكون فيه فلسطيننا وعراقنا وشامنا.. منارات للحرية والاستقلال؛ ويكون لانسانها الذي لا يعني له عيد الاستقلال سوى يوم “عطلة” أدنى حق من المواطنة في الكيان الذي بذل في سبيل تشكيله الغالي والنفيس.
وكل عام ولبنان مُستقل..
Leave a Reply