الرياض – بعد أن ظل العرش السعودي ينتقل على مدى عقود من أخ لأخيه أضحى من شأن أي تغيير في قمة السلطة بسبب المرض أن يشدد التنافس على المناصب العليا داخل الأسرة الحاكمة.
ولا يتعلق الأمر فحسب بخلافة الملك عبدالله (86 عاما) أو ولي العهد الأمير سلطان (83 عاما) وكلاهما يعاني من مشاكل صحية بل وكذلك بالمناصب العليا المهمة التي تتحكم في ثروة البلاد الضخمة وسياساتها الاجتماعية ورجال الدين المؤثرين والقوات المسلحة.
الأسبوع الماضي سافر الملك عبدالله إلى نيويورك للعلاج بعد أن أدى تجمع دموي إلى تعقيد حالة انزلاق غضروفي يعاني منها بالفعل حيث أجرى عملية ناجحة في نيويورك ولم يتحدد موعد عودته (حتى صدور هذا العدد). وعاد الأمير سلطان على وجه العجل إلى البلاد من الخارج حيث كان يقضي فترة نقاهة لينوب عنه في إدارة شؤون البلاد.
ومنذ وفاة الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة عام 1953 والعرش ينتقل بين ابنائه والملك عبدالله هو سادس ملك يتولى العرش. ويتقدم الصفوف فيما يتعلق بوراثة العرش الأمير سلطان والأمير نايف وزير الداخلية.
وانتقال السلطة في نهاية الأمر ستقرره هيئة البيعة التي تضم أبناء الملك عبد العزيز واحفاده والتي تقر من يختاره الملك وليا للعهد. ولم يتبق من أبناء الملك عبد العزيز سوى 20 كثير منهم يعانون من ضعف صحتهم أو يفتقرون الى القوة التي تؤهلهم للصعود لذلك سيتعين على القيادة الاختيار من بين أحفاد الملك عبد العزيز وهم عشرات.
وللملك عبد العزيز العديد من الزوجات والجواري اللواتي انجب منهن وعددهم تقريباً حوالي 32 ما بين زوجة وجارية، وأبنائه وبناته منهن وعددهم 70 ما بين ولد وبنت.
وقال الباحث مضاوي الرشيد المقيم في لندن والذي وضع كتابا عن تاريخ السعودية إنه نتيجة لذلك يبدو اهتمام كبار الأمراء بدفع أبنائهم قدما أكبر من اهتمامهم بوضع استراتيجية جديدة للحكم. وأضاف “لا يبدو انهم مستعدون لاتخاذ قرارات جريئة… الهيئة لا تبدو فعالة”.
وعاد الأمير سلطان يوم الأحد الماضي على عجل من المغرب حيث قضى بعض الفترات في السنوات الأخيرة للعلاج والراحة لينوب عن الملك عبدالله في إدارة شؤون البلاد.
ولما كان الملك وولي العهد قد تجاوزا كلاهما الثمانين من العمر ويعانيان من ضعف الصحة فالاحتمال كبير أن يتولى الأمير نايف المحافظ دينيا واجتماعيا والأصغر سنا نسبيا (76 عاما) زمام الأمور في المملكة التي يسكنها 18 مليون نسمة.
وعاد إلى البلاد كذلك عدد من أبناء الملك عبد العزيز الاخرين وأحفاده في الاسابيع الاخيرة. فعاد الأمير سلمان أمير منطقة الرياض وشقيق الاميرين نايف وسلطان هذا الأسبوع بعد تعرضه لوعكة صحية كما عاد الأمير تركي بن عبد العزيز. وعاد الأمير بندر بن سلطان السفير السابق لدى واشنطن في تشرين الأول (أكتوبر).
وقال دبلوماسي “إنهم لا يعودون بلا سبب… يبدو أن الفروع المختلفة للعائلة تريد عودة الجميع حتى تتفق العائلة على مسائل مهمة”.
وفي الأسبوع الماضي عين الملك عبدالله قبل سفره ابنه الأمير متعب بن عبدالله رئيسا للحرس الوطني الذي يتولى شؤون الأمن الداخلي. وهي خطوة قد تؤدي الى موجة من الخطوات المماثلة من جانب كبار الامراء كل في مجاله.
وقال تيودور كاراسيك المحلل السياسي والأمني المقيم في دبي “قد يكون هذا بداية التغيير”.
ويقول خبراء سعوديون إنه يتوقع ان يسلم الأمير سلطان وزارة الدفاع لنائبه وابنه الأمير خالد بن سلطان. وبعد أيام من إعلان مرض الملك عبدالله وقع الأمير سلطان عقودا ضخمة تتعلق بمطارات في قصره في المغرب أمام كاميرات التلفزيون.
ومنذ تأسيس الدولة عام 1932 حافظت الأجنحة الرئيسية لعائلة آل سعود على توازن دقيق مع رجال الدين الوهابيين للمشاركة في حكم المملكة.
ورغم تاريخها في تحقيق الاجماع تواجه الأسرة الحاكمة تحدي اقتسام السلطة عندما لا يبقى سوى الأحفاد وهي مسألة معقدة نظرا إلى عدد الأمراء الطامحين.
ومن بين أكثر الفروع نفوذا السديريون وهم مجموعة من الأشقاء الكبار من بينهم الامراء نايف وسلطان وسلمان والملك الراحل فهد. ورصد الخبراء السعوديون منذ فترة طويلة انقساما بين السديريين وأخيهم غير الشقيق الملك عبدالله.
وقال سايمون هندرسون وهو باحث يقيم في واشنطن وأعد دراسات عن الخلافة في السعودية “الانقسام الرئيسي داخل العائلة الحاكمة ما زال هو الانقسام طويل الأمد بين السديريين وإخوتهم غير الاشقاء”.
وليس واضحا بعد إن كان الأمير سلطان سيتمكن من الاستمرار في الإمساك بزمام الأمور إذا طال غياب الملك عبدالله ويقول المسؤولون إنه عاد إلى نشاطه العادي لكن دبلوماسيين يقولون إنه تخفف من بعض واجباته.
ونظرا لغياب الأمير سلطان لفترة طويلة العام الماضي اضطر الملك عبدالله لتعيين الأمير نايف نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء الأمر الذي مكنه من توسيع نفوذه باطراد من خلال رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء أو القيام بزيارات رسمية للخارج عندما كان الملك عبد الله مشغولا أو الأمير سلطان غائبا.
ويقول دبلوماسيون إن احتمال صعود الأمير نايف إلى العرش يقلق الغرب إذ أنه نفي لفترة طويلة أن تكون هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001 نفذها سعوديون او دبرها تنظيم “القاعدة” مشيرا إلى إن من دبرها انصار لإسرائيل. كما انه مقرب من المؤسسة الدينية السعودية التي تلقي واشنطن اللوم عليها في تشجيع أفكار التشدد الأسلامي. ويقول محللون في السعودية إنه برغم التنافس الدائر وراء الستار فستضمن أسرة آل سعود أن تتم عملية الخلافة بسلاسة وتحافظ على قبضة الاسرة على السلطة. وقال المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل إنه لا يرى أي بادرة نزاع على الخلافة على الأقل في هذه المرحلة.
عملية ناجحة
أعلنت السعودية مساء الأربعاء الماضي نجاح العملية التي خضع لها الملك عبدالله بن عبد العزيز في مستشفى في الولايات المتحدة. وقال بيان للديوان الملكي إنه تم سحب التجمع الدموي وتعديل الانزلاق الغضروفي وتثبيت الفقرة المصابة، وذلك في مستشفى “برسبيتريان” في نيويورك، “وقد تكللت العملية ولله الحمد بالنجاح”. ويتولى زمام الأمور في المملكة السعودية ولي العهد الأمير سلطان بعد أن عاد إلى البلاد من مدينة أغادير المغربية التي كان يقضي فيها فترة نقاهة منذ آب (أغسطس) الماضي من جراحة أجريت له في نيويورك قبل نحو عشرين شهرا لإزالة ورم.
Leave a Reply