إحتفل الحزب السوري القومي الإجتماعي في لبنان والمغتربات بعيد تأسيسه التاسع والسبعين بإقامة مهرجانات شعبية وحفلات إستقبال تم خلالها تكريم الذين مضى على إنتمائهم إلى الحزب مدة نصف قرن. ويحق لهذا الحزب العريق، صاحب المناقبية العالية والعابر للطوائف، أن يحيي عيد ميلاده الذي تزامن مع عيد “إستقلال” لبنان الكيان أو الذي شبه لهم أنه كياناً يملك كل مقومات الحياة والصمود والبقاء. لم ينتبه البعض أن عمر الحزب السوري القومي الإجتماعي أكبرمن عمر لبنان! كما لم يزل البعض يكابر نافياً أن هذا الحزب الكبيرقد قدم التضحيات الغالية منذ قيامه، بدءاً بزعيمه أنطون سعادة، مفجرالنهضة القومية في القرن العشرين والذي كان مستشرفاً للمستقبل حين أعلن قبل تنفيذ الحكم الظالم الجائربإعدامه وهو في ريعان عطائه، “أنا أموت، أما حزبي فباقٍ”. التضحية القومية الكبرى لم تتوقف هنا. لقد ذكرنا مدير منفذية ديترويت مشكوراً، خلال حفل الإستقبال الذي أقيم في فندق “حياة ريجنسي” في ديربورن، ميشيغن، أن الشهيد الوحيد الذي سقط في معركة “الإستقلال” كان إسمه سعيد فخرالدين وكان منتمياً إلى مدرسة أنطون سعادة. لكن الذين وضعوا أكاليل الزهر في “شبه الكيان” إحتفاءً بإستقلاله، على ضريح “رجالات الإستقلال” لم يتذكروا شهيد الأمة أنطون سعادة والشهيد سعيد فخرالدين اللذان قدما أعزما يملكان، مع المقاومين والشهداء اليوم ضد عدو لبنان، قدما الحياة لهذا الكيان الذي صنعه الإستعمار الفرنسي من رحم إتفاقية سايكس-بيكو البريطانية الفرنسية المجرمة لتقاسم النفوذ في المشرق العربي، ومؤتمر سان ريمو، ومن رحم وعد بلفور لإنشاء وطن في فلسطين ليهود الشتات في العالم. بل قبله، نسي واضعو الأكاليل القائد الشهيد يوسف العظمة، القومي السوري بطل معركة “ميسلون” في ٢٤ تموز ١٩٢٠ وأول وأفضل وزير دفاع عربي، الذي حاول فيها هزيمة الفرنسيين بقيادة المجرم الغازي غورو، الذي سلخ أجزاءً عزيزة من سوريا وفلسطين لكي ينشىء “لبنان الكبير” مباشرةً بعد هذه الملحمة البطولية، من أجل أن يحقق حلم عتاة الكيانية اللبنانية. حتى في عصرنا الحديث، لم يبخل الحزب القومي في بذل الدماء الزكية من أجل القضية المقدسة. ولا تزال ماثلة في الأذهان “مجزرة حلبا” التي أصبح بطلها من النوائب في البرلمان اللبناني. إذ أنه بالرغم من إيمان الحزب بالأمة السورية (“سوريا للسوريين والسوريون أمة تامة”) إلا أنه دافع بدمه عن الكيان ضد الاستعمار البغيض الذي لطف وسمي “إنتداباً”. لكن الكيان في عيده لم يتذكر فخرالدين أو أدهم خنجر أو صادق حمزة في أكاليل زهره وربما كتب التاريخ المزور اعدتهم إرهابيين، بينما تذكر جيداً بيار الجميل كرجل من “رجالات الإستقلال”، هذا الذي أسس حزب “العائلة المالكة” بعد زيارة إلى ألمانيا الهتلرية! حزب الحرب الأهلية دشن حرب مقاتلة “الغرباء” من أبناء فلسطين لأن آل الجميل فينيقيون أقحاحاً أصلهم من بلدة المنصورة السويسرية. الحزب الذي إبتدع الذبح على الهوية والمجلس الحربي وخرج منه بشير الجميل وسمير جعجع، يكرم “مؤسسه” ويعزز وينسى من أمن العزة والكرامة لهذه الأمة!!
لبنان نال استقلاله، الذي أراده “حزب العائلة” مجتزءاً يتبع “الأم الحنون”، ليس بسبب “قوة لبنان في ضعفه” كما أصر باجوق “حزب الكتائب”جوزيف أبو خليل في إحتفال “سبعينية” جريدة “العمل” حين قال “ثبتت الأحداث أن بيار الجميّل كان على حق في قوله إن قوة لبنان في ضعفه، ويعني بذلك في وجوده المسيحي والحضاري والإنساني، لا في تخاذله”. بربكم شو فهمنا؟ هل يعني هذا أن ضعف لبنان كان مسعفاً للوجود الحضاري المسيحي؟ وهل الإستباحة الإسرائيلية للبنان ساعة تشاء كانت من ضمن هذه الحضارية؟ أم أن فتح جوزيف أبو خليل نفسه لخط التعامل مع إسرائيل منذ ١٩٥١ كان لمصلحة الوجود المسيحي؟ أذكر أن بيار الجميل الذي يعده أبو خليل فيلسوفاً كان يكرر خمس كلمات يعرفها بالعربية فقط، خصوصاً خلال “مناظرته” مع صائب سلام في بداية الحرب الأهلية (والجولات الأولى والثانية والثالثة، من يذكر، عندما كانت المعارك تتوقف كل آخر الشهر حتى يقبض المتقاتلون؟). هذه الكلمات “إج كان بفتكر على إنو”، علق عليها كاريكاتورياً المذيع الراحل حكمت وهبي في إذاعة “مونتي كارلو” الذي قلد أصوات أعضاء “طاولة الحوار” وقتها (إذ مازلنا نتحاور حول الطاولة منذ السبعينيات وحتى اليوم عن من هو العدو ومن هو الصديق. خلص العمر ولم يخلص الحوار!). إن قوة لبنان هي حقاً في ممانعته ومقاومته وصيغة عيشه المشترك، كما أعلن الإمام موسى الصدر لا في ضعفه الخائر.
لقد كان أنطون سعادة محقاً عندما حذر مبكراً من خطر الكيان الصهيوني على الأمة كما نبه إلى خطورة “يهود الداخل”. وتلك الأوسمة التي وضعت على صدور القوميين القدامى هي أغلى بكثيرمن وسام الأرز إلى جون بولتون الصهيوني النزق والموتور، أو إلى سعيد عقل “الأب الروحي” لتنظيم “حراس الأرز” والمروج لـ”جيش الخلاص الإسرائيلي”. مبروك أصحاب الكيان، فلكم لبنانكم “المستقل” بسواعد “شاي فتفت” وتحالف آل الجميل وعدالة سمير جعجع وحزب “إم رعيدة” معوض رئيس “حزب الإستقلال”، ولنا لبناننا بنهضة أنطون سعادة والمقاومة الوطنية والإسلامية ورسالة الإمام موسى الصدر وكل العونيين والمسلمين والمسيحيين الذين تفاهموا فيما بينهم ولو كره الكارهون والحاقدون. مبروك للحزب القومي وعقبال العيد المئوي.
Leave a Reply