باتت الجالية العربية في هذه الرقعة من الأرض، ويالأخص اللبنانية، على موعد متجدد مع الحزن والمرارة والألم بسبب المدينة-الطاعون التي تحيط بنا من كل جانب، مدينة ديترويت، بحيث أصبحنا نحبس أنفاسنا ونضع أيدينا على قلوبنا في كل مرة يذهب فيها عزيز أو حبيب، طلباً للرزق، إلى مدينة الأشباح التي تناقص عدد سكانها بشكلٍ جذري وأضحت مرتعاً للجريمة والموت المجاني وبالتالي نظير شؤمٍ على شبابنا وأحبائنا. لقد انضم الشاب المرحوم المأسوف على شبابه، حسن عبدالله، إلى قافلة الضحايا من نخبة ابنائنا الذين شاءت الأقدار أن يكونوا في أخطر بقعة في النصف الغربي من الكرة الأرضية وفارق المرحوم المغدور هذه الفانية وهو في زهرة عمره وريعان عطائه مخلفاً وراءه عائلته المؤلفة من زوجة وأطفال أربعة، إضافةً إلى عائلته الكبيرة المؤلفة من الأهل والأقارب والأصدقاء الذين فجعوا وثكلوا برحيله بسبب روحه المرحة ومعشره الطيب وقلبه الكبير الذي كان يتسع للجميع وكأن يد الإجرام والغدر لا تختار إلا صفوة شبابنا واخواننا. ذلك أنه سبقت المرحوم حسن عبدالله، إلى درب التضحية، ثلة من أبنائنا أصحاب المصالح التجارية الذين أعطوا هذه المدينة حياتهم وعرق جبينهم وذرفوا فيها سنين عمرهم وبقوا صامدين فيها إلى آخر رمق رغم أن معظم السكان من كافة الأعراق والملل هجروها منذ زمنٍ طويل غير آسفين على شيء وغير ذارفين دمعةً واحدةً عليها. وقبل أن يسكن الغضب نطرح بعض ما في القلب من لواعج و تساؤلات لعلها تشفي غليل الكآبة وتثير حالة من الدفع بإتجاه الحل المنشود.
أول هذه التساؤلات هي إلى متى نسكت على هذا النزف المستمر في حياة خيرة شبابنا ومستقبلنا؟ وماذا فعلت المؤسسات العربية الأميركية لكي تحمي شعبنا من الموت الذي “أصبح مثل شربة الماء” في مدينة حفار القبور؟ ما شاء الله، عندنا من المنظمات والمؤسسات ما يكفي إلى حد التخمة لكن، للأسف، “ما أكثر الضجيج وما أقل الحجيج”. هل الجمعيات والمؤسسات العظيمة أنشئت فقط من أجل تلميع الصور وخلق ممالك من ورق؟ بعض هذه المؤسسات غير النفعية التي تدعي تقديم الخدمات للناس، تربع عليها بعضهم منذ التأسيس ولا يزال، ولم يعد يهمه منفعة الجالية بل خدمة مصالحه ومصالح حوارييه بحيث أن التوظيف لغير عصابته ممنوع. لكن هذه المؤسسة الستالينية وغيرها من المؤسسات المشابهة، لن تقف في وجهها تهم الفساد وسوء إستعمال السلطة والإدارة لتمنعها من إقامة الحفلات السنوية الباذخة وقبول إغداق الأموال والمديح على “دورها وخدماتها” للجالية من قبل الهيئات الحكومية وغيرالحكومية الغافلة، ثم تبادل الجوائز التقديرية لأصحاب الفخامة من المؤسسة أو أي “فاعل” من الجالية فعال في دعمه لهذه المؤسسة! وبالمناسبة لا نعرف ما هو المعيار المتبع في منح شخصٍ ما “جائزة” أوشهادة تقدير على عمله أو عملها النبيل في خدمة المجتمع والتي درجت عليها المؤسسات في حفلاتها السنوية، خصوصاً وأن بعض الأشخاص يحوزون على إثنين أوثلاثة من هذه الجوائز دفعةً واحدة! لقد بزت هذه المؤسسات، فعلاً وقولاً، الأنظمة المهترئة في الدول العربية، من ناحية عبادة الشخص والتشبث بالكرسي ثم ومن بعدي الطوفان، وكنا نظن أنه كان من المفترض أن تمحو هذه البلاد المتقدمة والمتطورة هذه السنة البشعة والعادة السيئة لكن سبحان الله من شب على شيٍء شاب عليه كما أن الطبع غلب التطبع!
لا نريد أن نضيع بوصلة الموضوع الذي نحن في صدده ولو أن ما أشرنا إليه لماماً هوجزءٌ كبيرٌ من المشكلة فالتفرق والتشرذم هو علة العلل، كما هو في بلادنا الأصلية. تصوروا مثلاً لو قتل مواطن يهودي أميركي في متجره في ديترويت، ماذا كان سيحدث؟ لو حصل هذا الأمر، لقامت جمعيات يهودية وشنت حرباً لا هوادة فيها على المدينة متهمةً إياها بمعاداة السامية! أو لو حصلت حادثة قتل من قبل أحد أصحاب المصالح العربية الأميركية ضد أحد أبناء المدينة من الأفارقة الاميركيين لكانت النتيجة تظاهرات وعرائض أمام المحل وإتهامات بالعنصرية إلى أن يؤدي إلى إفلاس المحل وإغلاقه. نحن لا نقول أن هناك إستهداف للعرب الاميركيين، ذلك أن السكان الأبرياء يتعرضون للعنف والجريمة مثل غيرهم، فالجريمة عمياء تخبط خبط عشواء لكن دائرة الخطر على العرب الاميركيين بدأت تتسع وتستهدفهم في حياتهم وأرزاقهم. ولكن لنكن صريحين، كم من الجروح الذاتية إرتكبناها نحن عبرالمضاربات في المحطات والتدمير المتبادل المادي والمعنوي ضد بعضنا البعض؟
لقد ساهم العرب الأميركيون في نهضة ديترويت وضواحيها عبر رؤوس أموالهم ومصالحهم ومؤسساتهم المالية والتجارية والحرفية كما أنهم استفادوا من خيراتها، لكنهم اليوم هم بلا ظهر أو حماية وبالتالي فالمؤسسات التي ولدت من أجل الدفاع عنهم أمام مسؤولي المدينة، عليها إما أن تستقيل من دورها غير المجدي حتى الآن، أو أن تنشىء قوة ضغط فعلية تمنع هذه المجزرة البشرية بحق شعبنا. وإلى أن نصبح قوة يحسب لها حساب ونتخلى عن سياسة النعامة أو “زاحت عن ظهري بسيطة”، لن يكون حسن عبدالله آخر خسارة مريعة لنا وسنظل ندفع من عمرنا ومستقبلنا.
رحم الله الذين انطفأت جذوة شبابهم في ديترويت وألهم أهلهم الصبر والسلوان.
Leave a Reply