ألغيت إذن “جائزة هيلين توماس لروح التنوع”، بقرار من جامعة “وين ستايت”، بتلك السرعة الصاروخية!
هنالك تيارات عريضان في الثقافة الأميركية، الأول يرى أن “التنوع” هو الخصيصة الأولى والأهم التي تتصف بها الولايات المتحدة. والثاني يقول إن “الحرية” هي جوهر “الحقيقة” الأميركية وميزتها الأكثر نصاعة، وأنها العنوان الأول للمعنى الأميركي. وبغض النظر عمن يأتي في الدرجة الأولى من حيث التراتبية أو الأهمية، فإن إلغاء جائزة هيلين توماس هو ضربة موجعة للمفهومين معاً. ما يعني.. أنه لا التنوع ولا الحرية.. ولا أي أي شيء آخر يمثل جوهر الثقافة الأميركية سوى الواقع نفسه، وهذا الواقع يقول أن هناك من يتحكم به ويصوغه بالطريقة التي تخدم مصالحه!
وإلغاء الجائزة، ليس ضربة مؤلمة لهيلين توماس وتاريخها العريق فقط، بعد 62 عاما من العمل الصحفي والإعلامي في البيت الأبيض، بل هو ضربة موجهة إلى صميم القيم الأميركية وفي طليعتها الحرية، التي صانها التعديل الأول من الدستور الأميركي، الذي تضمن حرية الكلام والصحافة والتعبير والتدين والاحتجاج.. و”حيازة السلاح”!
والمأزق الحقيقي.. بعد هذا كله، يكمن في كون مؤسسة أكاديمية مثل جامعة “وين ستايت” وراء القرار، فعندما تكون الجامعات ومراكز البحوث والشخصيات الأكاديمية، هراوات، أو أدوات ضغط ، أو سيطرة، أو ضغط، أو تنفيذ سياسات، أو لوبيات، فهذا الأمر سيترك القيم والمناقبيات والأصول الحرفية في مهب الريح، وسيجعل من مقولات الحرية والديمقراطية والتنوع مجرد مقولات وشعارات جوفاء.
والطريف، أن جامعة “وين ستايت” هي نفسها مؤسسة قائمة على “التنوع”، فنظرة سريعة إلى طلابها وأساتذتها تنبئ عن حقيقة ذلك التنوع العرقي والثقافي والديني وغيره. وكذلك فإن منطقة ديترويت قائمة على التنوع الذي يخلقه المهاجرون (يوجد فيها 62 مجموعة إثنية)، وبالمناسبة فإن آخر دراسة اقتصادية حول الواقع المتردي لمدينة ديترويت تقترح أن السبيل الوحيد لاستعادتها كمدينة حية ومتألقة وفعالة هو جلب المزيد من المهاجرين وتشجيعهم للاستثمار وإعادة الروح إلى المدينة التي تنام في غرفة الإنعاش منذ عقود. والسؤال.. لماذا سيأتي المهاجرون إذا كانوا لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، وممارسة ثقافتهم وتقاليدهم؟..
وعودة، لنا أن نتذكر في سياق الهجوم على هيلين توماس، ما حصل للمفكر ادرواد سعيد والبروفيسور نورمان فنكلستاين والإعلامية أوكتافيا نصر، التي أجبرت على ترك عملها في الـ”سي أن أن” بسبب تعليق كتبته “تويتر” وعبرت فيه عن إعجابها بالعلامة السيد محمد حسين فضل الله، ناهيك عن الكثير من الحالات التي لا نسمع بها.
حقيقة، نتعرض نحن العرب ومن يؤيدنا أو يتفق معنا إلى “هجوم مركز” عنيف وشرس ومتوحش و.. “كاذب”. ورب قائل يقول: ما الذي يمكن لنا أن نفعله في مواجهة حملات منظمة ومدعومة ومتنفذة؟ وربما يتساءل آخر: ما الذي سيتمخض عن التظاهرة الطلابية التي سينفذها الطلاب العرب في جامعة وين ستايت احتجاجا على قرار الجامعة بإلغاء الجائزة؟ وآخر سيقول: “الآخرون”.. يتغلغلون في جميع المؤسسات الإعلامية والمالية والأكاديمية فماذا بإمكاننا أن نعمل.. إنهم يضخون الأموال ويضعون أرصدتهم ونفوذهم في تصرف من يخدم قضاياهم، فماذا نستطيع أن نفعل؟
والجواب بسيط.. وهو أنه يمكننا أن نفعل الكثير. المهم أن نفعل أي شيء مهما بدا بسيطا، ولنتذكر.. أن ما يوجب “أفعالنا” هو الضرورة الأخلاقية، والانحياز للحقيقة، أو الشجاعة الشخصية، ولنتذكر أيضا.. أن أشخاصاً بمفردهم أقضوا مضاجع “الديناصورات” وأقلقوهم، لا لشيء إلا لأنهم قالوا الحقيقة ولا شيء أكثر، وفي مقدمة هؤلاء بالطبع هيلين توماس..
ثمة مقولة أميركية تقول “أنت قوي ولكنك على خطأ”، وهذه المقولة تعكس فكرة أن “الحق” هو مصدر “القوة”، وليس أي شيء آخر!
Leave a Reply