لانسنغ، ديربورن – خاص “صدى الوطن”
أصبح “قانون عامر” واقعاً ومادة قانونية ملزمة للمحاكم في ولاية ميشيغن، منذ يوم الثلاثاء الماضي، حين قامت حاكمة الولاية جنيفر غرانهولم بالتوقيع على “مشروع قانون عامر” الذي كان حمل الرقم أتش بي 4118، بعد خمس سنوات من الكفاح والعمل الكثيف من قبل الزوجين أحمد ورحاب عامر. وانتهى بذلك مسلسل طويل، مؤلم وممض بدأ في العام 1985 وعانى الزوجان عبر حلقاته الطاحنة والقاسية من الحزن والقهر والظلم ما تعجز الجبال عن حمله، منذ فقدا أولادهما الثلاثة بقرارات قضائية، بعد حادثة سقوط طفلهما الرابع (سمير، كان عمره سنتين في ذلك الوقت) في حوض الحمام ووفاته لاحقاً، متأثراً بمرض هشاشة العظام، الذي عجز الإطباء عن تشخيصه في ذلك الحين.
انتهى المسلسل، إذن، نهاية سعيدة، أو هكذا يفترض لها أن تكون، بإقرار “مشروع قانون عامر” الذي يقضي بإعطاء الأفضلية للأقارب برعاية والعناية بالأطفال المفصولين عن ذويهم لسبب من الأسباب، وذلك بعد مرور مشروع القانون عبر مجلس نواب ولاية ميشيغن ومجلس شيوخها، وبعد توقيع حاكمة الولاية عليه، ليصبح قانوناً تلتزم به المحاكم في الولاية.
ولكن النقطة الأكثر سخونة في قصة الوالدين عامر وأولادهما الثلاثة، أن القانون الجديد لن يعيد محمد علي عامر الذي أصبح آدم لي ستامبر إلى والديه، ولن يعيد أختيه سهير وزينب اللتين أصبحتا سوزان وزيني ستامبر، بعد تلك الأعوام الطويلة من انفصالهم عن الأبوين الطبيعيين. وما هو مؤلم أكثر.. أن الأولاد لم يظهروا “غفرانا” أو تعاطفاً أو تسامحاً مع أبويهما.. بالقدر الذي تفترضه فصول هذه القصة. ففي الاتصال الذي أجرته “صدى الوطن” مع الوالدين عامر، قالت الأم أنها أرسلت صوراً ومعلومات عن القانون الجديد إلى ابنها محمد علي، وهو صديقها على “الفايسبوك”، فكتب تعليقاً مثل أي شخص محايد وكأنه غير معني بالموضوع: I Like It.
وحاولت “صدى الوطن” الحصول على طريقة للاتصال بالأبناء الثلاثة، أو بأحدهم، ووعدت الأم بإخبار ابنها.. للقيام بالاتصال بنا، إذا أراد، ولكنه لم يقم بالاتصال حتى لحظة كتابة هذه السطور.
“إذن ما جدوى كل الذي حصل؟” ربما يكون هذا السؤال مؤلماً للأم التي أجابت: “أنا وزوجي كوالدين.. عرفنا العذاب الحقيقي طوال 25 سنة، ولا نريد لأي عائلة أخرى أن تذوق مثل هذا العذاب. من الظلم أن يتم اقتلاع الأطفال من بيئتهم وثقافتهم وأخذهم إلى ثقافة غريبة ومختلفة، من الظلم أن يحصل ذلك”.
وعما إذا كان الوالدان يتوقعان موقفاً مختلفاً من الأولاد، كأن يعودوا إلىهما أو أن يقوموا بأية مبادرة لإصلاح تلك العلاقة وإرجاعها إلى صورتها الطبيعية، قالت الأم: “إن أمهم بالتبني (فوستر ماذر) قامت بغسل أدمغتهم وحقنهم بالكراهية والخوف منا، فقد ربتهم وعلمتهم خلال السنوات الماضية.. أن الله لن يغفر لهم إذا سامحونا، أنا ووالدهم، وأن الله سيأخذهم إلى جهنم إن هم فعلوا ذلك”.
وتضيف عامر: “لكن بعد توقيع القانون.. أحمد الله على هذه النتيجة، لأن جهودنا لم تذهب عبثاً، وطبعاً ليس كافيا أن يتم إقرار القانون لأعوض خسارتي لأولادي.. فهذا القانون لن يمكنني من إرجاعهم.. ولكنه أراحني وأراح والدهم.. لأن المهم هو العدالة وهذا القانون أنصفنا.. وأظهر مقدار الظلم والحيف الذي لحق بنا طوال أعوام طويلة وقاسية.. ومصدر سعادتي وراحتي.. هو تأكدي أن ما حصل لنا لن يحصل لآخرين من بعدنا”.
وراء كل قانون حكاية، وخلف “قانون عامر” قصة بفصول مؤلمة وطويلة، بدأت في العام 1985، حين فقدت عائلة عامر حقوقها الأهلية لأطفالها الثلاثة، بعدما اتهام الأم رحاب في بالتسبب بمقتل طفلها سمير، بعد حادثة وقوعه في حوض الحمام ووفاته متأثرا بجروح أصيب بها. وكان القضاء قد عاد وبرأ الأم من التهمة الموجهة اليها في العام 1986 وبعدما كانت سلطات الولاية قد قامت بفصل الطفلين الآخرين ووضعهما في تبني عائلة أميركية، كما أقدمت سلطات الولاية على فصل الطفلة الوليدة زينب بعد يوم واحد من ولادتها في إحدى مستشفيات ديربورن، على الرغم من مرور أربعة اشهر على تبرئة الأم من تهمة التسبب بموت طفلها (وهو الأمر الذي تعتبره الأم غير قانوني، لكنها لم تملك في ذلك الحين أي خيار آخر).
وفضلاً عن ذلك فإن قرارات المحكمة التي فصلت الأبناء الثلاثة عن الأب والأم، أدخلت الوالدين في قصة أخرى، عندما قررا إنجاب طفل آخر، حيث تخفت الأم حتى عن جيرانها خلال حملها الأخير لمدة أربعة اشهر، ثم ذهبت إلى كندا في موعد الولادة. وولدت الأم رحاب ابنها حسين وعادت به على أساس أنه ابن أخيها، وظل الأمر كذلك لمدة 13 عاماً، حتى العام 2005، عندما بدأ الوالدان بإطلاق مشروع القرار.
وبعد سنوات طويلة من الجهود المضنية لاستعادة أطفالهما وسمعتهما، تمكن الأبوان أحمد ورحاب عامر من الاثبات أمام المحكمة أن الطفل سمير الذي قضى إثر سقوطه في حوض الحمام كان يعاني من مرض هشاشة العظام الذي أخفق الأطباء في تشخيصه إثر سلسلة من المعاينات قبل وفاته، وكان ذلك المرض هو السبب الحقيقي في موت الطفل.
وبعد عشرين سنة من الجهود المكثفة والمضنية التي بذلها الأبوان، باشرا في العام 2005 بالعمل من أجل تشريع قانون في الولاية يعطي أقارب العائلات الأحقية والأفضلية باحتضان الأطفال المفصولين عن آبائهم، وهو القانون الذي عرف لاحقا باسم “قانون عامر”، وكان أول من رعى مشروع القانون وقدمه أمام كونغرس الولاية النائب عن مدينة ديربورن جينو بوليدوري في العام 2008 وجرى إقرار مشروع القانون من قبل مجلس نواب الولاية في شهر آذار (مارس) من العام 2008، وتم منح عائلة عامر فرصة الحصول على جلسة استماع.. تأخرت لأكثر من عام كامل بسبب كون نص القانون يتطلب بحثاً مكثفاً، حسب ما أدلت به المديرة التشريعية كيللي ميللر، وذلك للتأكد من أن القانون (قانون عامر) لا يخالف قانون حقوق الأطفال في دائرة الخدمات الإنسانية.
أصبح القانون أمراً واقعاً وهو سيحمي الكثير من العائلات والأطفال في المستقبل بلا شك،، ولكن رحاب عامر كانت تعرف منذ البداية أنها لن تتمكن من استعادة أطفالها، ومع ذلك قررت المضي والمتابعة، ولم تدخر جهداً ووقتاً إلا وبذلته في سبيل ذلك.
أكثر من مرة قالت رحاب: “أنا لن أتمكن من استعادة أطفالي وكل السنوات التي ضاعت مني وهم يكبرون، لكنني أستطيع أن أجنب أمهات وآباء آخرين ما ذقته في محنتي الطويلة”.
وكانت “صدى الوطن” تنتظر، حتى لحظة الذهاب إلى المطبعة، اتصالاً من الابن محمد علي (آدم) لمعرفة رأيه وشعوره وموقفه بخصوص القانون الجديد، الذي كان إبعاده (مع أخوته) سبباً في تشريعه.
لم نتلق أي اتصال، وكل ما فعله أنه رد على والدته التي تتواصل معه على “الفايسبوك”، فكتب: “أنا أوضاعي معقولة يا أمي.. لكنني مكتئب قليلاً بسبب كل ما يجري حولي.. ليس عندي أي مانع في إجراء أية مقابلة. لقد وصلتني رسالتك الالكترونية التي تشرح كل ما جرى ولم يكن بوسعي.. إلا البكاء. أنا فخور جداً بالطريقة التي قاتلت أنت وأبي من أجلنا، وذلك يدفعني بالأشياء التي فقدتها وأنا أكبر. حياتي كانت جيدة.. لكن لا شيء أفضل من أن يكبر المرء مع والديه الحقيقيين. لقد فاتني الكثير من الذكريات الجميلة. أحبكما كثيراً”.
تفاصيل القانون
ويتضمن “قانون عامر” مقدمة مسهبة تشدد على الاعتراف بأن العلائلات هي أساس المجتمع الأميركي. وهي أحد أقدم وأهم المؤسسات التي تعود مسؤولية رعاية الأطفال الى الوالدين المتمتعين بحوق طبيعية وقانونية وأخلاقية بديهية بالنسبة لأطفالهم ولأقربائهم. وهذه الحقوق لا يجوز أن تطعن أو أن تنتهي على أيدي الحكومات والوكالات الحكومية أو أية كيانات أخرى إلا في حالات شديدة الخطورة.
ويرد في المقدمة أن “قانون عامر” يهدف إلى حماية عائلات ميشيغن ويتضمن عشرة بنود، ابرزها إعطاء الأولوية في رعاية الأطفال المفصولين عن أهلهم لعائلات تربطها بهم صلة قرابة الدم، وبناء على رغبة أهاليهم أو رغبتهم الشخصية في اختيار من يرعاهم، وذلك قبل الإقدام على وضعهم في بيوت رعاية “أجنبية” أو مياتم وقبل أن يصار الى وضعهم في رعاية الولاية أو المقاطعة، ومنح أهالي الأطفال المفصولين مهلة 90 يوما لاستئناف الحكم الصادر عن المحكمة بأنهاء حقوقهم الأصلية وإعطائهم الحق في محاكمة أمام لجنة محلفين في محكمة مفتوحة.
وينص القانون على عدم إكراه الأهل، تحت أي ظرف على تجريم أنفسهم من أجل الاحتفاظ أو استعادة حقوقهم الأصلية، سواء من قبل الولاية، أو وكلائها أو المتعاقدين معها ويشدد القانون في بنده التاسع أنه في حال وضع طفل خارج منزل أبويه الطبيعيين يجب أن يكون أصحابه ممن يتشاركون مع الأهل في الديانة والإثنية وأن يظل الطفل ينادى باسمه الأصلي وليس بأي اسم أجنبي آخر أو بلقب مختلف، وبأن يستمر في تلقي التربية الدينية التي تريدها له عائلته الأصلية.
وينص القانون في بنده العاشر على وجوب “وقف كل حوافز التبني للأطفال المفصولين عن أهلهم”، إلا في حالات إصابتهم بإعاقات شديدة جسدية ونفسية وانفعالية أو اذا كانوا يعانون من هشاشة صحية، مما يتطلب نفقات استثنائية.
ويشكل “قانون عامر” الذي يحمل الرقم أتش بي 4118 نقطة تحول هامة في تعاطي سلطات الولاية ومؤسساتها مع قضية رعاية الأطفال المفصولين عن ذويهم ويحيلها الى اعتبارات ثقافية –دينية ظلت مهملة طيلة عقود. كما أن اقرار هذا القانون يراعي الفروقات الحضارية بين مجتمعات المهاجرين الجدد والمجتمع الأميركي الأعم.
Leave a Reply