يرسم اختيار تامير باردو رئيسا جديدا لجهاز “الموساد” الاسرائيلي ملامح التوجهات المستقبلية لهذا الجهاز لناحية الأساليب المتبعة وساحات العمل المستهدفة.
وفي سبيل استشراف “ميزات” العهد الجديد للموساد، لا بدّ من استعراض تاريخ المدير القادم على صهوة تغييرات جذرية في القيادات العسكرية والأمنية في اسرائيل.
يملك باردو سجلا طويلا في العمل الأمني-التقني طوال سنوات خدمته في وحدة الاستطلاع الخاصة التابعة لرئاسة الأركان في الجيش “سييرت متكال”، حيث كان قائده في هذه الوحدة شقيق رئيس الحكومة الحالي يوني نتنياهو الذي قُتل في عملية تحرير الرهائن في الطائرة المخطوفة في عينتيبه (أوغندا) في العام 1976. هذه العملية شكلت نقطة ارتكاز لاحقا في ثقة عائلة نتنياهو بباردو الذي كان أول شخص حاول اسعاف يوني.
بعد انخراطه في الموساد في العام 1980، تخصص باردو في جمع المعلومات من أرض العدو وفي تكنولوجيا المعلومات الى أن ترقى ووصل الى منصب رئيس شعبة “نفيعوت” التقنية الفنية، المسؤولة عن التسلل إلى أهداف مختلفه بهدف زرع أجهزة للتنصت والتصوير. كما خدم خبيرا ورئيسا لقسم العمليات الميدانية حتى العام 2002، تماما كالمدير السابق مائير داغان، ما يعني أن المدير الجديد سيسلك منهج سلفه في “المعالجة الموضعية” للتهديدات التي تحيط بالكيان، من خلال الإعتماد على العمليات النوعية ما وراء الحدود، بل وتكثيفها في ظل حالة المراوحة التي تعيشها تل أبيب في مواجهة البيئة الاستراتيجية المعادية التي تحيط بها وعدم قدرتها على فتح جبهة عسكرية غير مضمونة النتائج.
اللافت أن تعيين باردو لقي شبه اجماع في تصريحات القادة الاسرائيليين، فضلا عن وسائل الإعلام التي رحبت بالمدير الذي تدرج في عمله في الموساد قبل ثلاثين عاما حتى وصل الى منصب نائب رئيس الجهاز قبل أن يستقيل قبل عام اثر تمديد عمل مئير داغان.
وعلى الرغم من تعليقه على تعيينه في منصبه بالقول إن “الحذاء أكبر من كلتا قدميّ”، فإن شهادات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك، الذي خبر باردو شخصيا في عمليات مشتركة نفذاها سويا، تكفي لإحاطة مدير الموساد بغطاء سياسي يمنحه الحرية اللازمة ازاء الإشكالية التي تعصف بقوة الردع الاسرائيلية.
أولى دلالات نهج العهد الجديد للموساد تقارير صحفية اسرائيلية تتحدث عن نية بتجنيد شريحة خاصة من العملاء المناسبين للخدمة اولا في وحدة العمليات الخاصة “كيدون”، على أن كفاءات باردو نفسه تشير الى تفضيله الأشخاص الخبراء في مجال التكنولوجيا.
يعرف باردو الساحة اللبنانية كما “يحفظ كف يده”، بحسب ما توحي شهادة باراك فيه. هذه الخبرة كانت السبب في اختياره مستشارا لرئيس قسم العمليات في لواء الجبهة الشمالية في حرب تموز 2006، وهو بالمناسبة المسؤول عن عملية الانزال في مدينة بعلبك إبّان الحرب.
ولئن كان الرجل الحائز على ثلاثة أوسمة رفيعة خلال خدمته، لا يُسمح بنشر شيء عنها، قد أمضى جلّ حياته المهنية في العمل الميداني، فإن خبرته في الإدارة والتخطيط لا يُستهان بها. في هذا السياق، يبرز دوره كرئيس للجنة تحقيق داخلية في الموساد عقب فشل عملية اغتيال رئيس المجلس السياسي في حركة “حماس” خالد مشعل في الأردن، حيث قاد يومها باردو تحقيقا متشددا انتهى بإقالة او استقالة عدد كبير من مسؤولي الموساد، على رأسهم رئيس الجهاز آنذاك داني ياتوم.
وفي حين يحمل المحللون على باردو قلة خبرته في مجال الاستخبارات البشرية (يومنيت) التي ترتبط بتجنيد وتشغيل العملاء، فإن دمج أقسام خاصة داخل الموساد وتعزيز التنسيق ما بين الأقسام التقنية والبشرية من شأنه حل هذه الإشكالية، ناهيك عن أن ساحات العمل التي تواجهها اسرائيل في المرحلة المُقبلة تنحو أكثر فأكثر باتجاه الحرب الالكترونية. أضِف الى أنه لن يكون صعبا على رجل يحمل شهادات عليا في الرياضيات والفيزياء والعلوم السياسية والتاريخ أن يُعالج ثغرة إدارية كهذه.
Leave a Reply