ليس خفيا على أحد حجم وتأثير وتداخل الانترنت بكافة مكوناتها في حياتنا اليومية. ففي العقد الأخير أخذ استخدام الانترنت يتغير بشكل تصاعدي بالمضمون والعدد، فأخذت تحول شيئا فشيئا من أداة تجارية وعلمية، إلى استخدام منزلي كمالي مترف حتى أصبحت اليوم من الضروريات في أي منزل عصري كالتلفزيون والبراد وغيرها. لا بل وقد حلت الإنترنت في بعض الأحيان مكان التلفزيون لما توفره من خدمات تشمل ما في التفاز وتفوقه.
وفقا لإحصاءات “CIA Factbook” فإن عدد مستخدمي الإنترنت تضاعف بشكل تصاعدي من 360 مليون مستخدم سنة 2000 في مطلع الألفية الجديدة، إلى مليار و900 مليون في عامنا هذا أي بعد مرور عشرة سنوات. الرقم مذهل وهو يشكل ربع سكان العالم والزيادة السريعة تدل على مدى أهمية الانترنت في الحياة اليومية
وإذا أردنا أن نعدد بعض إستخدامات الانترنت في دقيقتين فقط يمكنني الجزم أن أي شيء يخطر في البال متوفر عبر الانترنت. من التواصل والاتصال إلى المعاملات البكنية والتجارية إلى المعلومات والأبحاث العلمية، أخبار العالم بالثانية وبالصوت والصورة، أرشيف ضخم، كتب، حوادث، وأحداث، سياسة وفكاهة وتسلية. أي سؤال يخطر بالبال يمكن لمحركات البحث أن تجلبه من سابع أرض في ثوان. إذن تحول غوغل وغيره من محركات البحث والصفحات الى عفاريت كتلك في قصص ألف ليلة وليلة، لا يستعصي عليها شيء سوى أن تنقلنا جسدا من مكان لآخر وليس ذلك مستبعدا في المستقبل.
من العفاريت إليها، أعود إلى مخترعي الانترنت ومصدريها الى العلم ومن عساه يكون غير الولايات المتحدة السباقة الدائمة في هذه المضامير. لقد صدرت أميركا فيما صدرت نظريات العولمة، ونظّر كثيرون من أجل تمويل إلى قرية صغيرة لا ليل ولا نهار. وفي بادئ الأمر وخصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ظن العم سام أنه سوف يصبح مختار أو رئيس بلدية هذه القرية العالمية بلا منازع، وأنه لا أحد سوف يجرأ على الترشح لهذا المنصب غيره تماما كما هي حال أوطاننا وأحزابنا.
لكن رياح العولمة جرت بما لا تشتهيه سفن عمنا سام، فاذا بالصين تنازعه وتغزو بجحافل صناعتها العالم، وإذا بالهند وغيرها من الدول النامية تستخدم التكنولوجيا وعلى رأسها الانترنت التي أصبحت بمتناول الجميع لكي تنافس الأميركيتين في عقر دارهم. وإذا بالهنود الفقراء في نيودلهي ينافسون المواطن الأميركي في نيويورك وسان فرانسيسكو وقد نجحوا في انتزاع وظائفهم أحيانا.
عودا على بدء، نرى اليوم النشر الغامض المريب لهذا الكم الهائل من الوثائق السرية الأميركية عبر ويكيليكس التي أوصلته عبر الانترنت من قلب خزائن الإدارات الأميركية المغلقة الى العالم. كأن الأمور قد فلتت من عقالها بالنسبة لأميركا، فلم يعد أحد يستمع أو يهاب ضابط الإيقاع الأميركي. لا بل وقد تجرأ البعض في العالم، وبما لا شك فيه بمعونة كثيرين من داخل الإدارة الأميركية، بأن يعزف موسيقى الموت على الجبروت والعنجهية الأميركيتين.
في السنة الفائتة خاضت الصين معركة ضد محرك البحث غوغل لمنعه من إعطاء معلومات للمستخدمين تعتبر الحكومة الصينية أن من شأنها المساس باستقرارها. فمثلا من يبحث عن كلمة ديمقراطية في الصين لا يرى التعريف ذاته لمفهوم الديمقراطية الذي يراه الباحث الأميركي. وليس بمقدور الصينيين أن يروا أي صورة لمجزرة ساحة “تينامين” في بيجين التي ذهب ضحيتها الآلاف من المتظاهرين القوات الصينية.
تخليت لوهلة لو أن مصر أرادت فعل الشيء نفسه، فهل تراه يرى صورة الرئيس مبارك من يبحث عن كلمة ديمقراطية أو نزاهة.
فيما أنا أكتب أولى كلمات هذه المقالة تذكرت العديد من النقاشات مع أحد الأصدقاء حول مظاهر نظرية المؤامرة. وهنا لا بد لي من الاعتراف أني أخشى أن يدخل شرطي العالم أنفه في عالم الانترنت، فيسعى لاحتلال ساحات الشبكة العنكبوتية كما احتل العديد من ساحات كانت حرة في العالم.
فهل سيصبح ما يصلنا معلومات عبر الانترنت خاضعا للرقابة أو صادرا من نبع قد يطاله التلوث؟
هل ستعمد الولايات المتحدة إلى تقطيع أوصال العالم بعد أن أرادته قرية صغيرة بفعل وسائل الاتصال والشبكة العنكبوتية؟!
أسئلة كلها برسم الوقت والانتظار..
Leave a Reply