لم تنسحب روح عيد الميلاد ولا مساعي “س–س” على تصريحات مختلف الأفرقاء في لبنان، في مشهد يعكس حدة التجاذبات قبل التوصل الى تسوية مرتجاة او ازمة شاملة لا يملك السياسيون أنفسهم مفاتيح ادارتها.
ولعلّ ابرز ما شغل “المتراشقين السياسيين” داخليا هذا الأسبوع موقف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في ايران السيد علي خامنئي الذي وجّه رسالة قوية للـ”عدالة” الدولية بتصويبه باتجاه المحكمة؛ وهو موقف اختلف المراقبون في تفسيره ما بين اعتباره اشارة الى تباين سوري–ايراني؛ كما يردد العديد من أقطاب الرابع عشر من آذار، أو في وضعه ضمن سياق الرأي الديني– السياسي الرافض تحويل المحكمة الدولية الى بند على طاولة المفاوضات الأميركية-الإيرانية. وحده رئيس الحكومة سعد الحريري، من فريق الرابع عشر من آذار، تلقف موقف السيد خامنئي بـ”احترام” مشيرا في الوقت نفسه الى “تفهم” خطاب السيد نصر لله الأخير في ذكرى عاشوراء.
الخطوة الحريرية، التي تعكس حقيقة تواصل الجهود السورية-السعودية، رافقها ضغط أممي-أميركي باتجاه افشال التسوية وتوتير الأجواء؛ الى حد أنّ الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة مايكل وليامز رجحّ، في حديث لهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي”، من “تداعيات سياسية وخيمة” حال صدور القرار الظني في شباط المقبل، في حين لفت عودة باريس الى التحرك العلني على خط المحكمة برفض المتحدث باسم وزارة خارجيتها بيرنار فاليرو لتصريح خامنئي.
المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار أدلى هو الاخر بدلوه فشدد، في حديث لموقع المحكمة الدولية على شبكة الانترنت، على أنه “لن يقدم اي قرار اتهامي الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين ما لم يكن مقتنعا به على المستوى الاخلاقي والمهني، ووفق ادلة لا يرقى اليها الشك”.
وردا على سؤال، بشأن الاتهامات للمحكمة بالتسييس، قال إن “هذه الاتهامات يطلقها الخائفون من قرار المحكمة او من الجهود التي تبذلها للوصول الى كشف الحقيقة”.
ورفض بلمار استعمال كلمة “شهود الزور”، مشيرا الى انه “لم يستعمل هذا التعبير أبداً، لأن استخدامه ينطوي على استنتاج”، مفضلا “استخدام تعبير شاهد غير موثوق به”.
من جهته، عاد “حزب الله” الى تمديد المهلة المعطاة لمعالجة الأزمة، من دون أن يتنازل عن موقفه “في رفض مؤامرة المحكمة”، بحسب بيان صدر بُعيد تعليق عدد من نواب تيار المستقبل والقوات اللبنانية على كلام المرشد. بينما عاد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في تحديد سقف تنازلات الحزب “بما يحفظ بقاء المقاومة وحمايتها”، مع التأكيد على فترة الهدوء طيلة فترة الأعياد.
في هذا الوقت، عكس السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي مناخات إيجابية تواكب المسعى السوري– السعودي، خلال زيارته الرئيسين عمر كرامي وسليم الحص.
السجال الداخلي تصدّره أيضا لغة حازمة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري المتمسك باقتراحه لحل ملف شهود الزور، بما يضمن رضا جميع الأطراف. وهو في هذا السياق، شن هجوما على الفريق “14 آذار” لـ”استخفافهم بالأصول والمؤسسات” على حد تعبيره، ذلك أن “ملف شهود الزور بالنسبة اليهم لا يستحق الإحالة الى المجلس العدلي بل إن بعضهم لا يعترف بوجوده أصلا، وقضية الـ11 مليار دولار المفقودة لا تستأهل برأيهم التدقيق والمحاسبة”.
حراك الرئيس بري لاقاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بشكل لافت بحديث صحفي استعرض فيه الواقع السياسي في البلد، مع تلميحه الى أنه بات اقرب الى خيارات فريق الثامن من آذار، وإن كان لا يزال محافظا على هامش خاص في المقاربة السياسية.
جنبلاط، الذي يبدي ارتياحا للمسعى السوري– السعودي، صوّب باتجاه رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع باعتباره “شاهد زور اضافي” غامزا من قناة الطائفة المارونية التي “لا تريد إلا الذين يتغنّون بها مثل بشير وأمين الجميّل وسمير جعجع. أما الموارنة المعتدلون فمرفوضون”، في إشارة الى مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
واكد جنبلاط، في دردشة صحفية، أن “الحريري جاهز لاتخاذ موقف من القرار الظني يمنع اندلاع الفتنة في لبنان، ولكن تحت سقف المبادرة السعودية-السورية. ومن المؤكد أن استعداده اليوم لموقف من القرار الظني صار أفضل من السابق. لكنني أحذّر دائماً من العناصر التي إلى يمينه. ما حدث في مجدل عنجر كان سلبياً، وكذلك الأصوات التي ارتفعت في طرابلس قبل أيام، وخصوصاً أنها أطلقت مواقفها في حضور ممثل لتيّار المستقبل”.
وأعرب جنبلاط عن اعتقاده أنه كان على الحريري على أثر ما أعلنه في صحيفة الشرق الأوسط عن شهود الزور واعترافه بهم، أن يذهب إلى الرئيس الأسد و”يفاتحه في هواجسه، ويتفقا على مخرج لهذه القضية، لكنه لم يفعل”، مشيرا الى أن الحل “بين يدي الحريري وحده”.
هواجس صفير وشراكة عون
لم يلبث ان عاد البطريرك الماروني نصر الله صفير الى الدخول طرفا في لعبة السياسة الداخلية، بعد ان اوحت مواقفه في الفترة السابقة على اثر زيارة سليمان فرنجية له بأنه قد قرر التخفيف من حدة تصريحاته. في خضّم الحملات السياسية والإعلامية، أفصح صفير عن هاجس قيام “حزب الله” بـ”انقلاب” على الدولة، في موقف حار المراقبون في تفسيره، واسترعى ردودا حتى من نواب حزب الله الذين ظلوا طوال الفترة الماضية يراعون موقع البطريرك.
غير ان الرد الأبرز جاء من رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، خلال الاجتماع الاسبوعي لكتلته النيابية، فقال “نحن شركة مع حزب الله إذا اخذ البلد”.
ولئن صار البطريرك الماروني طرفا في السجال الدائر، يبدو واضحا أنّ الخشية من فتنة طائفية في لبنان لا يمكن أن تنسحب على علاقة “حزب الله” بـ”التيار الوطني الحر”، نتيجة التنسيق الدائم بينهما، من دون أن ينجح القادة الموارنة حتى الآن في توحيد سياستهم نتيجة اختلاف آرائهم ما بين “هواجس” صفير من المقاومة وبحث جعجع والجمّيل عن حصة أكبر في طائفتهما.
نفط لبنان في خطر
بعيدا عن السياسة، شهدت الساحة اللبنانية استحقاقا من نوع مختلف لم يعتده اللبنانيون، اذ رفضت الحكومة التركيّة اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين قبرص وإسرائيل، واعتبرته “باطلاً وملغى” لكونه لم يأخذ بالاعتبار قوانين وحقوق القبارصة الأتراك في الجزيرة.
قضية ترسيم الحدود البحرية تكتسب أهميتها من كونها تؤثر بشكل كبير على حصة الدولة المطلة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط من مخزون النفط المكتشف أخيرا في هذه النقطة من العالم، على أن الدولة اللبنانية تبدو غائبة تماما عن هذا الملف الحيوي.
الرفض التركي لترسيم الحدود بين قبرص واسرائيل قابله تهديد اسرائيلي شديد اللهجة بالاستعداد للدفاع عن حقوق الغاز، كما جاء على لسان وزير البنى التحتية الاسرائيلية عوزي لانداو.
يُشار الى أن إسرائيل التي وقعت اتفاقية ترسيم حدود بحرية اقتصادية مع قبرص استبقت ذلك بمنح امتيازات لشركات تنقيب عن النفط والغاز في مناطق بحرية واسعة، وهي تجاوزت في هذه الامتيازات الكثير من قواعد القانون الدولي، مع احتمال كبير بحدوث تعديات على مناطق يمكن أن تكون حقا لبنانيا، أو على الأقل ذات امتداد في مناطق بحرية من حق لبنان.
وحده وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل أطلق موقفا حاسما بالقول إنه اذا حاولت اسرائيل “ان تعتدي على حدودنا البحرية وثروتنا النفطية، فإن مصالحها كما الشركات الاجنبية العاملة في مجال التنقيب قد تصبح مهددة، ما يعني ان المناخ الاستثماري في اسرائيل قد يصبح معرضا للخطر، ولذلك فإنه من الافضل لها ان تهدأ وتدعنا نعمل بسلام”.
ولفت باسيل الانتباه الى ان المشكلة الحقيقية والمستعصية على مستوى الملف النفطي “تكمن في سلوك بعض المسؤولين اللبنانيين المقصرين الى درجة الخيانة العظمى”، متهما هؤلاء بالتقاعس عن القيام بأبسط واجباتهم، “علما انني وجهت الى الحكومة ثلاث مراسلات، بعدما يئست من جدوى الكلام، أطالب فيها بالانتهاء من موضوع ترسيم الحدود وإرساله الى مجلس النواب والامم المتحدة، ولكنني لم ألق أي تجاوب”.
وما بين ترسيم الحدود البحرية وترسيم حدود السلم الأهلي في لبنان، يبقى المواطن اللبناني أسير صراعات مستمرة، بانتظار قدوم السنة الجديدة، علّ توقعات الفلكيين الايجابية تصدق لمرة.
Leave a Reply