أول ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين أن منطقة الميل السابع في ديترويت هي منطقة محفوفة بالخطر والجريمة، لدرجة أن البعض يعتقد أن مجرد الذهاب إليها، أو تأسيس عمل فيها، مخاطرة أو مقامرة، أو ذهاب إلى التهلكة بمحض الإرادة. صارت منطقة الميل السابع مع الزمن إحدى مرادفات الموت، بسبب كثرة الحوادث والجرائم (بكل أنواعها) التي وقعت هناك.
لكن هناك القليل النادر من الناس، من يعتقد خلاف ذلك، ويعمل على تنمية تلك المنطقة وإعادة تأهيلها، اجتماعياً وبشرياً، ناذراً حياته لخدمة المحتاجين ومكرساً كل جهوده وخبرته وعلاقاته في سبيل تحسين ظروف الناس من المحتاجين والمهاجرين واللاجئين والباحثين عن فرص العمل.. والدكتورة هيفاء فاخوري واحدة من ذلك القليل النادر..
هي امرأة، من المعدن الثمين (والناس معادن، كما تعرفون)، والطراز الرفيع، الذي لا يعرف الاستسلام واليأس، فهي التي حولت المركز العربي الأميركي والكلداني (أي سي سي) من مركز اجتماعي بغرفة واحدة إلى أحد أهم مراكز الخدمات الاجتماعية في ديترويت، ووضعته في المقدمة، عبر العمل والمثابرة والوفاء لرؤية وطموحات زملائها المؤسسين الأوائل. والآن، وبعد 30 عاماً، صارت الغرفة 40 مركزاً موزعين على مناطق كثيرة، ومازال الحلم بزيادة عدد المراكز مستمراً، والتطلع إلى خدمة المجتمع، أفراداً وعائلات، حافزاً لا يمكن إغفاله.
والدكتورة هيفاء فاخوري.. امرأة، ليست من النوع التي يقال فيها، تلميحاً أوتصريحاً، مديحاً أو إشادة، إشارة أو تنويهاً: إن وراء كل رجل عظيم امرأة. بل.. هي قائدة لا تفل لها عزيمة، ولا يلين لها عراك، ولا تنضب لها بصيرة، وهي من النوع الذي يقال فيه: إن وراء كل صرح عظيم امرأة. فلا شيء يمنع أن تكون المرأة منجزة وفاعلة ومبدعة، ولا شيء يمنع أن تنسب إنجازاتها باسمها صراحة، ودون مواربة.
ولعلها خطوة جديرة بالتقدير، تلك التي قام بها “مجلس الأمناء” في المجلس العربي الأميركي والكلداني، حين اقترح إطلاق أسماء ثلاثة من مؤسسيه الأوائل على ثلاثة أبنية من مبانيه، وكانت الدكتورة هيفاء فاخوري واحدة منهم، إضافة إلى الأب جون بعدين والمحامي سلمان ساسي.
في الاحتفال الذي أقامه المركز، يوم الجمعة الماضي، شكر الأب بادين الدكتورة فاخوري، وقال لها: لولاك ما كان هذا الحلم ليتحقق! وكانت تلك لفتة كريمة من الأب بادين، فالاعتراف بدور الآخرين وتأثيرهم وإنجازاتهم.. يحتاج إلى قوة وشجاعة، وإلى.. فروسية، وهذا ما نفتقده، في مجتمع جاليتنا العربية في ديترويت بكل أسف، حيث يسعى أغلب الناس للإطاحة بأغلب الناس. في ذلك الاحتفال كانت الدكتورة هيفاء أميرة، وكان الأب جون بادين فارساً.. نادراً بدوره، لا يشبه هؤلاء الذين “يدحشون” أنفسهم في كل عرس، ليظفروا بـ “قرص”.. أو صورة.
وقالت فاخوري أنها في كل مرة كانت تخبر الناس أنها بصدد إقامة بناء، أو تأسيس مركز، في منطقة الميل السابع، كان الناس ينظرون إليها بأفواه فاغرة، مستغربين ومتعجبين، ولكنها لم تستسلم، وحولت الحلم إلى حقيقة. بنت صروحاً وأوجدت فرص عمل وجعلت فروع المركز في منطقة الميل السابع أمكنة تزدحم بالناس، بل أماكن يقصدها الناس، للتعلم والتدريب، بدل أن تكون منطقة مشبوهة يهجرها أبناؤها ويتجنبها الغرباء والعابرون.
لم تقل الدكتورة فاخوري الكثير في تلك المناسبة، وكانت إلى جانب زملائها الآخرين مثالاً على التواضع والثقة..وبدا صحيحاً ما قالته سابقاً أنها خلال 30 عاما اعتادت العمل والعمل والعمل.. بصمت!..
تحول “مركز القيادة وتأهيل الشباب في الـ أي سي سي”، إلى “مركز الدكتورة هيفاء فاخوري للقيادة وتأهيل الشباب في الـأي سي سي”. يكفي أن يعرف الشباب ما قامت به الدكتورة فاخوري لتكون النموذج الفذ الذي عليهم الاحتذاء به!.
Leave a Reply