ديربورن – خاص “صدى الوطن”
“كل سنة وأنت طيب”. جملة لم تعنٍ الكثير للمصريين الذين فوجئوا بكارثة نغصت عليهم بداية العام الجديد، عقب التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية والتي سقط ضحيته ٢١ قتيلا، إضافة إلى عشرات الجرحى..
ولم تحول “القنبلة المسمارية” أجساد بعض المؤمنين الأقباط إلى أشلاء، وقلوب الباقين إلى دموع ساخنة، بل كادت أيضاً أن تعصف بالسلم الأهلي الذي عرفته مصر عبر القرون المتعاقبة، والذي جمع المسلمين والمسيحيين تحت عنوان “الأمة المصرية”، وميّز شعبها المعروف بتسامحه الديني واعتداله ووسطيته.. وخفة دمه.
ويعي المصريون جيداً، أن مثل تلك الحادثة.. ومن يقف وراءها، إنما هي غريبة عن سلوكيات المصريين وأخلاقياتهم وإيمانهم بالعيش المشترك، ويعرفون أيضا.. أن تطور السياق العام للعلاقات المسيحية والإسلامية لا يسير في الطريق الصحيح، على الرغم من تنبه المتنورين والمؤمنين الحقيقيين والوطنيين الأشراف. ولم يعد خافيا على أحد، في مصر أو خارجها، أن ثمة أيد آثمة تعبث بين “جناحي الأمة المصرية” من المسلمين والأقباط، وتدق أسافين.. تحت عناوين مطلبية وحقوقية مختلفة، ربما كانت كلمات حق، ولكن الواضح الذي لا لبس فيه، أنها حق يراد بها الباطل، ويراد بها شق الصف الواحد.
وكان طبيعياً أن يتدفق ذلك الحجم الهائل من الإدانة لذلك التفجير الإرهابي من جميع أصقاع العالم العربي بكل مؤسساته السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، المسيحية والإسلامية، على السواء، لأسباب منها أن الانشقاقات الطائفية والتقسيمات الدينية ليست في الواقع التاريخي من صميم ثقافة شعوب المنطقة.
وفي منطقة ديترويت، حيث تعيش جاليات عربية كبيرة من المسلمين والمسيحيين، كان ثمة وعي ومسؤولية بما يثار من مشاكل في دول العالم العربي وبالعصبيات التي تتم تغذيتها، والبغضاء التي يتم شحنها وبثها في قلوب الناس.. يزيد من تأججها واقع بائس وفقر منتشر. وقد وقفت تلك الجاليات بمؤسساتها وأفرادها وفعالياتها موقفاً رافضاً لكل أشكال التقسيم والتفرقة، وبث الحقد والاصطفاف المذهبي أو الديني أو العرقي أو غيره. والأكثر من ذلك أن تلك الجاليات فضلت الانفتاح على بعضها وتقوية أواصر العلاقات بينها على أساس أنهم أبناء عالم عربي واحد وثقافة عربية واحدة..
وكانت “صدى الوطن” قد اتصلت ببعض أبناء الجالية المصرية ومؤسساتها الإسلامية والقبطية للوقوف على آرائهم، مؤسسات وأفراد، بذلك الحادث الأليم.
فقد رأى مدير “معهد القرآن” في ديترويت الشيخ مصطفى طلبة أن “ما حدث من اعتداء على حرمة دور للعبادة لنصارى مصر في مدينة الإسكندرية ليس إلا جريمة نكراء ليست موجهةً إلى طائفةٍ دون طائفة في هذا الوطن العزيز، وليست اعتداءً على إخواننا النصارى شركاء الوطن والدم والتاريخ فحسب، إنما هي اعتداء آثم على الوحدة الوطنية والعيش المشترك وعلى حرمة مصر وأمنها واستقرارها والذي يجب على الجميع أن يحموه بأرواحهم”.
ونوه طلبة “أن القتلة قصدوا الفتنة باستهداف إخواننا المسيحيين بالأساس، لكن اختلطت فيه دماء المواطنين من المسلمين والمسيحيين، وقصد المجرمون – ومن وراءهم – النَّيل من وحدة هذا الوطن العظيم، تلك الوحدة النموذجية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، والتي صانها الإسلام على مدار القرون، والقرآن ينادي: ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، فقتل نفس واحدة هو عدوان على البشرية كلها”.
وأضاف “أنا اعتبر أن هذه الجريمة، التي تستنكرها الأديان وتستشنعها الإنسانية والتي نالت من المسجد والكنيسة المتجاورين ومن المسلمين والمسيحيين الذين وُجدوا في المنطقة، أنه لا يمكن أن يرتكبها أحد له علاقة بصحيح الدين، وإنما يجب النظر إلى مرتكبيها باعتبارهم أيادٍ وأدوات مجرمة لجهات معادية تريد الإفساد في الأرض، والعبث بوحدة مصر وسلامها الاجتماعي، والدفع باتجاه إثارة فتنة طائفية تهلك البلاد والعباد”. ولفت طلبة الانتباه إلى أنه “ينبغى علينا ألا نفصل بين هذه الجريمة، وبين ما يجري من فتن تستهدف وحدة الأمة، وتمزيق المنطقة، وتقسيم دولها، وإشعال الحروب العرقية والطائفية والدينية بين أبنائها والمثل يقول ( فرق تسد) والله غالب على أمره”.
وأبدى المحامي المصري الأميركي محمد الشرنوبي إيمانه بوعي الشعب المصري وقال “نحن المصريين جميعنا أخوة، مسلمين ومسيحيين، وهذا الحادث رغم مأساويته لن يشق صفوف المصريين”.
وأصدر “مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية” (كير) في ميشيغن، بياناً صحفياً أدان الحادث التفجيري الذي استهدف كنيسة القديسين في الإسكندرية، وسلسلة التفجيرات في نيجيريا، ورأى البيان أن “أفضل رد على تلك الأعمال الجبانة هو مضاعفة الجهود لبناء الجسور وتعميم الحوار بين جميع الأديان”.
جدير بالذكر أن “صدى الوطن” حاولت الاتصال ببعض الكنائس القبطية، في ولاية ميشيغن وخارجها، وتركت رسائل صوتية لاستيضاح موقفها حول هذه الحادثة، ولم تتلقَ الصحفية أية ردود أو إجابات بسبب انشغال الكنائس بالتحضير لعيد الميلاد الذي تحتفل فيه الكنيسة القبطية في السابع من كانون الثاني (يناير).
زيارة تضامنية
وفي سياق الردود المستنكرة للاعتداء الإرهابي، قام وفد من رجال الدين وفعاليات الجالية ومكتب مرجعية الشيخ عبد اللطيف بري بزيارة إلى مقر كنيسة مار شربل في مدينة ستيرلنغ هايتس. واستنكر الوفد “ما يتعرض له المسيحيّون من أعمال إرهابية”، وتحدث خلال اللقاء الشيخ الدكتور باقر بري مهنئاً الطائفة المسيحية في العالم بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية الجديدة، كما أدان الأعمال الإجرامية التي استهدفت الطوائف المسيحيّة في مصر والعراق، وأشار إلى وصية الإمام علي (ع) الى واليه على مصر مالك الأشتر حيث كان يعيش فيها المسلم والمسيحي على حد سواء، فأوصاه بالمساواة بين الطائفتين معلنا كلمته الشهيرة: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”. هذه هي نظرة الإسلام الى أبناء الطائفة المسيحية، أنهم أخوة لنا في الإنسانية، وأكد بري على قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون •وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } المائدة 5/ 82 – 83.
وأشاد بري بالروابط الأخلاقية والإجتماعية الوثيقة بين المسلمين والمسيحيين. ثم ألقى بعد ذلك عدد من الحضور كلماتٍ في نفس الإتجاه.
Leave a Reply