الإسكندرية – اختار الإرهاب مطلع العام الجديد مدينة الإسكندرية ليضرب من جديد مزهقاً أرواح الأبرياء، ضارباً على وتر الطائفية في منطقة الشرق الأوسط.
فقد استهدف انفجار، لم تحدد طبيعته (انتحارياً أو سيارة مفخخة أو عبوة)، ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عنه منتصف ليل الجمعة-السبت ١ كانون الثاني (يناير) مصلين يغادرون كنيسة القديسين في حي سيدي بشر في المدينة أدى الى سقوط 21 قتيلا. وبعد الاعتداء، وقعت مواجهات بين شبان مسيحيين وقوات الأمن المصرية. وامتدت اعمال العنف الى القاهرة حيث اصيب 45 شرطياً و27 شخصاً آخر بجروح في المواجهات، فيما لم تتمكن السلطات المصرية من احتواء غضب الشارع القبطي المغدور.
ودعا الرئيس المصري حسني مبارك المسيحيين والمسلمين في مصر الى الوقوف “صفا واحدا” في مواجهة “قوى الارهاب”، واعلنت وزارة الداخلية المصرية في بيان انه “من المرجح ان يكون انتحاريا” قد نفذ الاعتداء.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة المصرية عبد الرحمن شاهين ان الاعتداء اسفر عن سقوط 21 قتيلا و43 جريحا. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت ان سيارة انفجرت وكانت متوقفة امام الكنيسة وتم فتح تحقيق من جانب النيابة العامة.
ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن الاعتداء، لكنه يأتي بعد شهرين من تهديدات اطلقتها مجموعة موالية لتنظيم “القاعدة” في العراق ضد الاقباط.
وكان تنظيم “دولة العراق الاسلامية” تبنى هجوما على كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد في 31 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي الذي اسفر عن مقتل 46 مصليا مسيحيا بينهم كاهنان وسبعة من عناصر الامن.
وصباح السبت الماضي تظاهر عشرات المسيحيين الغاضبين امام الكنيسة. وردد المتظاهرون “اين الحكومة؟” و”بالروح بالدم نفديك يا صليب”.
وكانت “دولة العراق الاسلامية” طالبت في تسجيل “باطلاق سراح” امرأتين قبطيتين مصريتين زعم انهما اعتنقتا الاسلام واعيدتا بالقوة الى الكنيسة.
وقالت انه في حال لم يفرج عن القبطيتين فان “القتل سوف يعمكم جميعا وسيجلب (بابا الاقباط) شنودة الدمار لجميع نصارى المنطقة”.
والسيدتان اللتان اشار اليهما الفرع العراقي “للقاعدة” هما كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين. وهما زوجتا كاهنين قبطيين اثار اعتناقهما الاسلام جدلا في مصر.
واكد التنظيم في التسجيل نفسه ان “كل المراكز والمنظمات والمؤسسات المسيحية وكذلك القادة والمؤمنين المسيحيين باتوا اهدافا للمجاهدين”.
وتم تعزيز الحماية الامنية حول دور العبادة القبطية بشكل غير معلن بعد هذه التهديدات، فيما تعهد الرئيس المصري حسني مبارك بحماية الاقباط في وجه “قوى الارهاب والتطرف”.
وفي 2006، هاجم رجل مصلين في ثلاث كنائس في الاسكندرية مما ادى الى مقتل شخص واحد وجرح آخرين. وقالت السلطات حينذاك انه “مختل عقليا”، لكن الاقباط رفضوا هذه الرواية.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) وقبل ايام من الدورة الاولى من الانتخابات وقعت مواجهات عنيفة في الجيزة قرب القاهرة بين الشرطة ومتظاهرين اقباط كانوا يحتجون على قرار السلطات المحلية بوقف اعمال توسيع كنيسة.
وقتل مسيحيان واصيب العشرات فيما تم توقيف اكثر من 160 شخصا.
وفي السادس من كانون الثاني 2010، قتل مسلحون ستة اقباط عند مغادرتهم قداسا في نجع حمادي في الصعيد، عشية عيد الميلاد القبطي.
تدخل خارجي
في السياق ذاته رفضت مصر دعوة البابا بنديكت السادس عشر قادة العالم إلى حماية الأقباط في مصر، وقالت على لسان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المغربي في الرباط إن مسؤولية حماية الأقباط تقع على عاتق الدولة المصرية وحدها.
وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب قد سارع بدوره إلى انتقاد تلك الدعوة ووصفها بأنها تدخل غير مقبول في شؤون مصر.
من جهته، طالب مستشار للأنبا شنودة الثالث بابا الكنيسة الارثوذكسية في مصر بحرية اعتناق الاديان للمصريين مبرزا أحد أهم أسباب التوتر الطائفي في البلاد.
وقال نجيب جبرائيل المستشار القانوني للبابا ومدير منظمة الاتحاد المصري لحقوق الانسان في بيان تلاه في مؤتمر صحفي انه يرفع عدة مطالب من بينها “اطلاق حرية اعتناق (المصري) لما يشاء من أديان اعمالا لمبدأ حرية العقيدة الذي كفله الدستور”.
يشكل اقباط مصر اكبر الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط واحدى اقدم هذه الطوائف.
ويقدر عدد افراد هذه الطائفة عموما بما بين 6 و10 بالمئة من 80 مليون مواطن مصري، وتقول الكنيسة القبطية ان عدد اتباعها هو عشرة ملايين شخص.
ويشكل الاقباط الارثوذكس الذين يرعاهم البابا شنودة الثالث غالبية الاقباط المصريين الذين يوجد بينهم ايضا كاثوليك.
استراتيجية جديدة للقاعدة
ويرى محللون ان “القاعدة” بمهاجمتها مسيحيين من احدى الكنائس الشرقية، تختار هدفاً ضعيفاً يملك وسائل رد محدودة، لكن هذه الاعتداءات قد تؤدي الى مواجهات طائفية.
ويعتبر المراقبون ان المسيحيين يشكلون هدفاً اسهل واكثر ضعفاً من الطوائف الاخرى، الأمر الذي يترجم على أنه استراتيجية جديدة “للقاعدة”، لان الشبكة تجد اهدافا غربية اقل لمهاجمتها. وتبين ان مهاجمة الشيعة مكلف جداً.
وكان تفجير مرقد الاماميين العسكريين في سامراء بالعراق في شباط (فبراير) 2006 ادى الى اندلاع موجة من العنف الطائفي بين السنة والشيعة اودت بحياة الآلاف.
ويخاف المراقبون من ان استهداف المسيحيين قد يؤدي الى صراع اسلامي-مسيحي في المنطقة لصالح اسرائيل.
Leave a Reply