يذكرني عهد الرئيس الحالي في “شبه الكيان” اللبناني برئاسة إلياس سركيس الضحلة المملة والعاجزة عن تحريك الوضع الجامد. فقد إنتخب سركيس، تحت القصف “القواتي”، في “قصر منصور” الذي كان برلماناً مؤقتاً بمنطقة “المتحف” على أساس أنه تحول إلى تحفة توافقية في بلد التوافق، غير الموفق أبداً، بعد سنة من بدء الحرب الأهلية وجولاتها العسكرية، التي كانت تتوقف كل آخرشهر بقدرة قادر حتى يقبض المتقاتلون رواتبهم.
وعلى طريقة مذيع تلك الأيام، المرحوم شريف الأخوي، كانت رئاسة سركيس “سالكة وآمنة”. ولست أدري كيف يكون سركيس توافقياً وهو صاحب التاريخ الشهابي الثقيل الذي “منح” شبه النظام حقبة “مكارثية” سوداء حكمت لبنان بالحديد والظلم، ولم يعرف عن مؤهلاته إلى حاكمية “مصرف لبنان” وفقط لأنه من الطائفة المالكة! ولكن، هو لبنان! ألم يتم ترئيس بشير الجميل فيما بعد بـ”ديمقراطية الدبابات” الإسرائيلية مكافأةً له من قبل شارون، الذي كان يفضل أطباق زوجته الشهية، على خدماته الجلى للدولة العبرية؟ ثم جاء شقيقه (اللدود) “أسد الغاب” من بعده ليقضي على العملة اللبنانية وأية إمكانية لوفاقٍ داخلي. فما هي مؤهلات الشقيقين لحكم بلد، الله يعلم؟!
سركيس هذا حسب مذكرات بقرادوني ونعوم، المستشاران في السر، جاء برضى سوريا كتسوية على حساب ريمون إده بعد أن بدأ عتاة الكيانية الحرب ضد “الغرباء” (الفلسطينيون وحتى أبناء الوطن من المسلمين، هل يدرك سعدوهذه الحقيقة؟)، ثم طلبوا من سوريا إنقاذهم بعد أن كادوا أن ينقرضوا. وعندما شن بشير الجميل حرب الإنقلاب في “معركة الأشرفية” على من أحسن إليه، حرد إلياس سركيس على الرد السوري وعزم على الإستقالة لكنه لم يحرك ساكناً على الوحشية الإسرائيلية في ١٩٨٢ أواخر عهده المنحوس. فسركيس إبتدأ توافقياً لكنه إنتهى “بشيرياً”، أو ربما كان كذلك متخفياً منذ البداية، وكان يفضل للرئاسة بشير الجميل بطل التطهير العرقي الطائفي المتحالف مع إسرائيل، وكم كانت غصته كبيرة عندما لم يسلمه “الأمانة”. النقطة الوحيدة المضيئة في عهد سركيس السيء الذكر هي إختياره للدكتور سليم الحص رئيساً للحكومة، وهو أشرف رجل يتسلم هذا المنصب في تاريخ هذا البلد المزورمن حيث عدم السرقة والشفافية المهنية والأخلاقية السياسية (مقارنةً مع فؤاد السنيورة الذي “تصرف” بـ١١مليار دولار وبمال جبل النفايات في صيدا، أو مع شفيق الوزان، من يذكر خطبته العصماء “أمطري يا سماء”؟).
“الرئيس التوافقي” في لبنان بدعة سياسية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في نار العبث اللبناني، أما “الوسطية” فبدعة أكبر من الأولى وضحك على الذقون. الوسطية تمشي في كل بلاد العالم إلا في لبنان الممزق بالطائفية السياسية الحادة والمذهبية والحياد السلبي لن يسير حكماً عاجزاً عجزاً بنيويا.ً رأس الدولة غير قادر ان يقرر ويحسم أمره بسرعة في قضايا مصيرية، لا تنتظر المزيد من المماطلة خصوصاً إذا كانت في سباقٍ مع الوقت مثل قضية شهود الزور والقرار “الإلتهامي” المتوقع صدوره عن “المحكمة الإسرائيلية”، أو عرضها على التصويت الديمقراطي لكي يظهر كل طرف موقفه. وإذا كان رئيس الجمهورية لا يريد أن يعلمه أحد ويريد الإنتظار لكي يتوافق الأطراف على القضايا من دون تصويت، فما نفع التصويت في مجلس الوزراء إذاً، وهل يجب إلغاءه كلياً لإنتفاء الحاجة إليه؟ لقد رأينا هدره للوقت إلى آخر لحظة قبل إستقالة المعارضة، إذ أنه لم يرد أن يعقد جلسة لمجلس الوزراء ولايستطيع أن “يقلي بيضة” من دون إستشارة رئيس حكومة طائر هو نفسه لا يملك ولا يحكم وبحاجة دائمة للإستشارة التي لا ينصاع لها! كيف يكون سليمان حيادياً إزاء التآمر على المقاومة (التي أراد حمايتها برموش العيون).
ثم هل أن “توافقية” رأس الدولة منعته حتى الآن من الإدلاء برأيه أيضاً بمشروع “التطهير العرقي” العقاري الذي طرحه بطرس حرب الذي لم يجرؤ حتى صناديد الليكود الفاشي الإسرائيلي من تشريعه ضد الفلسطينيين ولو أنهم يطبقونه عملياً على الأرض؟ هل سبب صمته يعود إلى محاولة “مسك العصا من الوسط” (هذه المقولة السخيفة التي لا تعني شيئاً وتعادل أللاموقف)، لأن هناك من أيد المشروع مثل أمين الجميل، بالطبع، وأحمد فتفت عبقري الدفاع بالشاي والقهوة، ومباركة ساكن بكركي، بينما عارضته فئات واسعة من السياسيين ومن بينهم أعضاء في التيار الأزرق؟ فغداً مثلاً قد يطرح الغنوج نديم الجميل مشروع قانون يعارض وصف إسرائيل بالعدو فيثني عليه “حزب العائلة” ووالده الروحي وتيار “بشير حيةٌ فينا”، فهل نقف على الحياد إلى أن يتوافق الفرقاء أو يسحب المشرع النابغة مشروعه من التداول؟ أن مشروع بطرس العنصري هو حربٌ على السلم الداخلي والتعايش بين الطوائف ويشكل سابقة خطيرة لن تنته بزوال المشروع الذي يستحق أن يتصدرلائحة محاولات التشريعات التخريبية المقيتة في التاريخ.
وكأن “شبيه الكيان”، بعد الشرذمة المذهبية والسياسية والأمنية والإجتماعية والسياحية والخدماتية، بحاجة إلى مزيد من الفرز العقاري الديني حتى تكتمل فدرالية الطوائف والقبائل الدينية. ومن قال أن مشكلة لبنان هي مع الخارج الإسرائيلي فقط؟ لقد بز بطرس حرب إتيان صقر والقسيس والبستاني وكل متطرفي الكيانية وأي سكوت عن هذا المشروع الخطير هو تواطؤ ومشاركة بالمؤامرة و”شيطنة” خرساء. إذ كيف تكون توافقياً ووسطياً بين الحق والباطل؟ وهل هناك منطقةٌ وسطى ما بين الجنة والنار؟
Leave a Reply