على حد قول حسني البورظان في مسلسل “صح النوم”: إذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا يدور في البرازيل.
وبالمثل، إذا أردنا أن نعرف بماذا يفكر المسلمون فعلينا أن نعرف بماذا يفكر المسيحيون. وإذا أردنا أن نعرف بماذا يفكر اليهود فعلينا أن نعرف بماذا يفكر العرب. وإذا أن نعرف ماذا يجري في تونس فعلينا أن نعرف ماذا يجري في الجزائر. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في لبنان فعلينا أن نعرف ماذا يدور في السودان. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في السودان، فعلينا أن نعرف ماذا يدور في العراق. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في العراق، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في مصر. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في إيران فعلينا أن نعرف ماذا يدور في السعودية. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في ديربورن فعلينا أن نعرف ماذا يدور في أبيدجان. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في واشنطن فعلينا أن نعرف ماذا يجري في اليونان. وإذا أردنا أن نعرف بماذا يفكر المهزمون والمعرضون للانقراض فعلينا أن نعرف بماذا يفكر الإغريقيون. كان فلاسفة اليونان ومثقفوها وإعلاميوها ونخبتها يتناقشون بحماسة وصخب حول .. كم عدد الملائكة الذين يمكنهم أن يقفوا على إصبع اليد الواحدة، عندما غزا البرابرة أثينا ودمروها.
وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور على المسرح، فعلينا أن نعرف ماذا يدور في الكواليس. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في الكواليس، فلن تكفينا “وثائق” ويكيليكس على كثرتها. وإذا أردنا أن نفهم معمر القذافي فعلينا أن نفهم بيرلسكوني. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يدور في رؤوس أصحاب العمائم الكثيرين حولنا فعلينا أن نتوقف عن تصديقهم والتواطؤ معهم. وإذا أردنا أن نعرف ماذا يحصل في غرفة الضيوف فعلينا أن نعرف ماذا يحصل في المطبخ. وما الذي يمكن أن يحصل في المطبخ سوى أننا نقوم بإعداد التبولة؟. والتبولة بدها ليمونة. ياللي رايح عا مكة. جبلي معه شي كعكة. والكعكة بالصندوق. والصندوق بدو مفتاح. والمفتاح عند الحداد. والحداد بدو بيضة. والبيضة عند الجاجة. والجاجة بدا قمحة. والقمحة عند الطحان. والطحان بدو الخشبة. والخشبة عند النجار. والنجار بدو المسمار. والمسمار عند الحداد. والحداد بدو الفحمة. والفحمة بالطاحونة. والطاحونة مسكرة، فيها مية معكرة.
والمزاج معكر، يا شباب.. ليس بسبب الطقس هذه المرة، بل لأن الفساد يضرب أطنابه فينا، بالطول وبالعرض، ومن فوق ومن تحت. والأنكى.. ترويج الإفساد وشرعنته بإشراف “أولياء الأمور” الذي يجب علينا الرجوع إليهم في جميع أمورنا وشوؤننا الشخصية، لأنه “واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”.
وعودة إلى مسلسل “صح النوم”. فعبر حلقات المسلسل الكثيرة، لم يعرف حسني البورظان ماذا يدور في البرازيل، لأنه لم يستطع أن يعرف ماذا يدور في إيطاليا. لم تتسنَ له الفرصة ليعرف، بسبب كثرة المقالب والخوزايق التي كان يرتبها له غوار الطوشة، والتي كانت تزعج البورظان وتقطع حبل أفكاره، وتعيقه عن التأمل والتفكير وتحليل الأحداث والتفاصيل.
ويا ليت الذي يصنعون لنا المقالب، ويحيكون لنا الدسائس، ويركبون على ظهورنا، كانوا بظرافة غوار الطوشة، أو بهضامة وليد جنبلاط، وليسوا بثقل دم “قاضي البصرة”!
المصائب كثيرة. على مستوى الوطن الكبير، في تونس والجزائر والسودان والعراق وفلسطين ولبنان، وعلى مستوى تفاصيل الحياة اليومية.. التي نتحرك فيها يومياً هنا في ديربورن. المصائب.. أكثر من أن تعد، ولا أحد يجرؤ على فضح الدجل والغش والرياء والفساد والإفساد، ثم وبعد ذلك نظهر عنترياتنا ونسل سيوفنا الصدئة ونبح حناجرنا لتحية المتظاهرين في تونس على الفايسبوك، أو لنتباكى على ضحايا كنيسة الاسكندرية في مصر، أو لنتألم على انفصال جنوب السودان، بينما.. قلما يجرؤ أحد هنا على قول كلمة الحق.
نعم.. ما أكثر الشياطين الخرس، التي لا تستحي ولا تخجل حتى عن “استعمال” دماء الشهداء، وآخرهم ضحايا كنيسة القديسين القبطية، والشهيد المطلبي التونسي محمد البوعزيزي!
Leave a Reply