تونس – لا يزال الغموض يلف هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأقربائه من تونس، ووفقا لأجهزة الاستخبارات الأوروبية فإن الجيش ورئيس هيئة أركانه رشيد عمار الذي رفض إطلاق النار على الحشود المتظاهرة لعب دورا قياديا في التخلص من الرئيس التونسي.
وحسب “لوموند” فإن الطريقة التي تمكن من خلالها بن علي من مغادرة البلاد غير واضحة، ويعتقد العديد من السفارات الأوروبية أن الأجهزة الأمنية الليبية لعبت دورا مهما في تهريب بن علي، ويعزز كلام الزعيم الليبي معمر القذافي هذا الشعور خاصة لدى باريس.
وتبقى طريقة رحيل الرئيس المخلوع أيضا محل شكوك، ويبدو أن بن علي قد وجد نفسه في المجال الجوي لمالطا، من دون وجود خطة للطيران، كما لم يكن لديه وجهة محددة في رحيله المتسرع من تونس.
وقال مصدر إيطالي لـ”لوموند” إن الطائرة لم تحصل على إذن بالهبوط في جزيرة مالطا، ووفقا لفرضية أخرى غادر الرئيس المخلوع تونس على متن مروحية لجزيرة مالطا، حيث وجد طائرته هناك.
من جانبها أرادت باريس منع وصول بن علي إلى فرنسا، وقال مصدر وزاري فرنسي إن المديرية العامة للطيران المدني تلقت طلبا بتحديد مسار بين تونس وباريس، لكن السلطات الفرنسية طلبت أن تحط الطائرة في جزيرة سردينيا.
وبعد هبوط الطائرة في الجزيرة والتحقق منها، لم يكن فيها أي راكب، ولم يكن على متنها زين العابدين بن علي في كل الأحوال، وهو الذي نزل بعد ذلك في جدة في المملكة العربية السعودية.
لم يعمل الجيش التونسي على صد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عن الفرار خارج البلاد، بل سهل له ذلك عندما غادرت طائرته مطار قرطاج في العاصمة تونس الساعة 17:30 بالتوقيت المحلي يوم الجمعة الماضية.
يقول الصحفي سامي غربال في مقال نشر على موقع “شارع 89” إن الجيش ربما فكر في أن وجوده خارج البلاد قد يكون أقل إرهاقا من بقائه في تونس.
بعد ثلاثين دقيقة من إعلان الجيش غلق المجال الجوي التونسي، كان بن علي وأغلب أقربائه سالمين بعد هروبهم من البلاد. أما زوجته ليلى التي كانت خلال الفترة الأخيرة في دبي في الإمارات العربية المتحدة، فقد تلحق به قريبا إلى مقر لجوئه في جدة بالمملكة السعودية.
ونالت “السيدة الأولى” ليلى الطرابلسي الجزء الأكبر من الاتهامات، أهمها أنها عينت أفراد عائلتها في مناصب الدولة الحساسة وتمكنوا بذلك من السيطرة على الشركات والاستحواذ غير القانوني على بعض الممتلكات والثروات.
وولدت ليلى عام 1957 في عائلة بسيطة، وكان والدها بائعا للخضر والفواكه الطازجة. حصلت على الشهادة الابتدائية والتحقت بمدرسة الحلاقة، وعملت كوافيرة، ثم تعرفت على رجل أعمال يدعى خليل معاوي وتزوجته وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
وعاشت معه ثلاث سنوات قبل أن يطلقها، تعرفت خلالها على محيط رجال الأعمال، وكما يقول كتاب “حاكمة قرطاج” المحظور حتى الآن من دخول تونس، لكن تم توزيع نسخ ألكترونية منه، أنها عملت في التجارة بين تونس وإيطاليا، إلى أن ألقي القبض عليها وسحب منها جواز سفرها.
طلبت من أحد معارفها وهو الجنرال طاهر مقراني التدخل لاسترجاع الجواز وكان الرئيس بن علي وقتئذ مديرا للأمن، فتعرفت عليه حينها.
أما سيرين ابنة زوجته الأولى نعيمة، التي تملك شركة للتزود بخدمات الإنترنت وإذاعة “شمس أف.أم”، فقد تمكنت من الهروب إلى باريس على متن الطائرة الخاصة لزوجها رجل الأعمال مروان مبروك، وقد انتهى المطاف بالزوجين وأبنائهما في أحد قصور باريس.
أما نسرين، وهي البنت الكبرى لبن علي من ليلى، فقد فرت قبل أيام من أبيها إلى مونتريال في كندا حيث يملك زوجها رجل الأعمال ذو الـ32 عاما محمد صخر الماطري منزلا فاخرا. وقد استقبلت بهتافات منددة لجمع غفير من التونسيين أعلموا بقدومهما مساء الثلاثاء 11 كانون الثاني (يناير) الحالي.
غير أن صخر عاد بعدما أوصل زوجته إلى تونس لحضور جلسة برلمانية يوم 13 من الشهر الحالي، حوالي 20 ساعة قبل سقوط النظام. لكنه استطاع الهروب إلى مونتريال مجددا قبيل سقوط النظام بقليل وتحديدا على الساعة 14:00 بالتوقيت المحلي، على متن طائرته الخاصة بقيادة طيار أميركي.
ويمتلك الماطري إذاعة الزيتونة الدينية، وقد عرف عنه “تدينه”. واشترى عام 2009 مؤسسة “دار الصباح” التي تصدر عنها جريدة “الصباح” وهي أعرق الصحف التونسية، ثم أسس مصرف الزيتونة وهو بنك إسلامي.
أما بلحسن الطرابلسي أخو ليلى الأكبر، فكان أقل حظا إذ اعتقله الجيش وأنزله، هو وستة من أفراد عائلته يوم أطيح بالنظام، من طائرة كانت متجهة إلى مدينة ليون الفرنسية، بعدما رفض ربانها محمد بن كيلاني الإقلاع لدى علمه بأنهم على متنها.
بلحسن، وهو الرجل الأكثر كرها لدى التونسيين بين أصهار بن علي، معتقل حاليا في ثكنة العوينة بضواحي تونس، وقد نهبت وأحرقت كل ممتلكاته في تونس.
أما عماد، وهو ابن أخي بلحسن، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية من قبل العدالة الفرنسية بتهمة سرقة يخوت فاخرة عام 2006، فقد أعلن مقتله بسلاح أبيض في المستشفى العسكري بالعاصمة.
وتقول بعض الروايات إن عماد، الذي أشيع أنه ابن ليلى الطرابلسي، إن القاتل قد يكون أحد بحارة مدينة حلق الوادي بضواحي العاصمة والتي “انتخب” رئيسا لبلديتها العام الماضي.
أما سليم شيبوب الصهر الآخر لبن علي، وهو رجل أعمال ورئيس سابق لنادي الترجي الرياضي الشهير، فقد قيل إنه اعتقل لدى محاولته الفرار عبر الحدود الليبية-التونسية في بلدة بن قردان، لكنه نفى ذلك لقناة “نسمة” التونسية الخاصة قائلا إنه في طرابلس الغرب في مهمة عمل.
بدوره اعتقل مدير الأمن الرئاسي للرئيس المخلوع الجنرال علي السرياطي من قبل الجيش في مكان غير بعيد عن بلدة بن قردان. ووجهت للسرياطي تهمة التآمر على أمن الدولة وقيادة مليشيات مسلحة تروع الأهالي في العاصمة تونس.
كواليس ثورة تونس
السعودية تبرر استضافتها بن علي
قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إن استضافة بلاده للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي “ليس فيها أي مساس للشعب التونسي”، مضيفا أن هذه ليست أول مرة تجير فيها المملكة مستجيرا بها. وقال الفيصل حسب وكالة الأنباء السعودية (واس) إن “الاستضافة عرف عربي، والمستجير يجار”، مؤكدا أن السعودية سارت في هذا الصدد على “نهجها الذي تبنته منذ زمن بعيد”. في الوقت نفسه، أكد الفيصل مجددا أن السعودية لن تسمح للرئيس المخلوع بالعمل السياسي، حيث قال إن “هناك شروطا لبقاء المستجير، وهناك ضوابط لهذا الشيء”.
رغبة بالعودة
قالت وكالة “رويترز” إن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي عبر عن رغبته في العودة إلى تونس، وذلك خلال اتصال مع الوزير الأول محمد الغنوشي الذي رد عليه بأن الأمر مستحيل.
ليلى سرقت الذهب
قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية بأن عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي فرت من تونس حاملة معها طنا ونصف الطن من الذهب، وهو ما تفترضه المخابرات الفرنسية، التي تحاول فهم أسرار يوم الجمعة 14 كانون الثاني (يناير)، الذى شهد رحيل الرئيس وأسرته وسقوط نظامه. وحسب المعلومات التي جمعت في تونس فإن ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع ذهبت إلى البنك المركزي لأخذ سبائك من الذهب بقيمة تبلغ 45 مليون يورو (60 مليون دولار)، لكن محافظه رفض ذلك، فاتصلت بزوجها بن علي، الذي رفض الأمر في البداية أيضا، قبل أن يوافق لاحقا، وتوجهت ليلى إثر ذلك إلى دبي.
القذافي يؤنب التونسيين
أنب الزعيم الليبي معمر القذافي الشعب التونسي لتعجله بالإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي واصفا إياه بأنه “أفضل” شخص يحكم تونس. وقال القذافي في كلمة بثها التلفزيون الليبي السبت الماضي “خسرتم خسارة كبيرة، لا يمكن إرجاعها، فالذي ابنه مات لا يمكن أن يعود في الدنيا”. وتابع قائلا “وحتى الرئيس، لو عملتم رئيسا جديدا، فهو سينساكم، ولو عوضكم، ماذا سيعوضكم؟ ملء الأرض لن يعيد لك ابنك… وأنا لا أعرف أحدا هناك، أنا أعرف من بورقيبة، إلى عند الزين. الزين إلى عند الآن، أفضل واحد لتونس، وعمله جعل تونس في هذه المرتبة”. وقال إنه “لا يوجد أحسن من الزين أبدا في هذه الفترة، بل أتمناه ليس إلى عام 2014، بل أن يبقى إلى مدى الحياة”.
ثورة ويكليكسية؟!
رغم قلة الوثائق التي سربها “ويكيليكس” عن تونس وعدم وجود قرائن تدل على أن الثورة التونسية أججتها التسريبات أصرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية على أن أحداث تونس هي أول ثورة تحدث بفعل التسريبات للموقع. و جاء في التسريبات أن المحيط العائلي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي “أشبه بالمافيا” وأن النظام التونسي “لا يقبل لا النقد ولا النصح”، فيما ردت الحكومة التونسية وقتها أن تلك الوثائق افتراءات “لا مصداقية لها” ولن يكون لها تأثير على العلاقات التونسية الأميركية. وذكرت إحدى البرقيات التي تم إرسالها في حزيران 2008 بعنوان “ما هو لكم هو لي” حيث ساقت السفارة الأميركية أكثر من 10 أمثلة عن إساءة استخدام أقرباء الرئيس التونسي للنفوذ، وكتبت على سبيل المثال أن زوجة الرئيس، ليلى الطرابلسي، حصلت من الدولة على أرض كمنحة مجانية لبناء مدرسة خاصة، ثم أعادت بيعها.
Leave a Reply