فعلها الشعب التونسي الأبي وتفوق على ذاته من خلال ثورة شعبية عارمة أدت للإطاحة بديكتاتور حكم بالحديد والنار وسخر البلد لنفسه ولعائلته وحاشيته زهاء ثلاثة وعشرين عاماً.
لقد أعاد الشعب التونسي ثقتنا واعتزازنا بأنفسنا كشعب عربي، بعد أن كنا نتفرج على العالم يتغير من حولنا ونحن لاحول لنا ولا قوة، وكدنا نفقد الأمل بأية بارقة تمرد أو إنتفاضة، لا بثورة كدنا نشطبها من قاموسنا، على الوضع السياسي والإجتماعي والإقتصادي الجامد الناجم عن عجز الأنظمة في تقديم أي حلول لأزمات المواطن الفقير والبطالة والشباب وتطلعاتهم في العيش بكرامة والمشاركة السياسية والحرية والديمقراطية رغم أن هذه الأنظمة المجرمة تطفو على بحار من المال والثروات التي تكون عادةً بتصرف الحاكم المأفون وسلالته من الأبناء الفاسدين عديمي الأخلاق والذمة والمروءة. مبروك للشعب التونسي الذي فتت صخر التسلط وأراد الحياة بكرامة، وعقبال دحرجة رؤوس الأنظمة التوتاليتارية العربية الفاسدة الأخرى التي استاءت من هذه الثورة خوفاً من العدوى التي قد تقض مضاجع أشباه الرجال، ذلك أن ثورة في بلدٍ مستقر نسبياً ومعتدل كتونس لم تكن في حسبانهم فما بالك في ممالك القهر والقمع والخيبة؟ “ثورة الياسمين” التونسية تحمل الكثير من العبر أولها رسالة أوضح من عين الشمس للثورة بالمقلوب “ثورة البطيخ” في “شبه الكيان”.
لقد أشعل نار “ثورة الشعب التونسي” شهيدها الأول محمد البوعزيزي الذي أضرم النار بنفسه من ظلم النظام السارق لمال الناس مما أحرق حظوظه بالبقاء، أما في بلد المفارقات البهلوانية فقد قامت إنتفاضة وطنية في وجه فؤاد السنيورة وسقط أول شهيد لها المرحوم علي المحمود إضافةً إلى شهداء آخرين ولم يرف للسنيورة جفن بل لبس عباءة “أمير المؤمنين” وحول السراي إلى “خلية حمد” يقيم فيها صلاة الجماعة بإمامة محمد رشيد قباني (الذي طلع صوته مؤخراً مدافعاً عن رئاسة سعد مختزلاً كل السنة بآل الحريري وكأن رشيد كرامي ليس سنياً، بعد أن خفت هذا الصوت بسبب التحقيق بفساده المالي هو وإبنه في دار الإفتاء بعد إصرار الرئيس الحص ومماطلة السنيورة)، وإلى قاعة حفل زفاف لإبنه وكأن السراي ملكٌ خاص لعائلته. حتى الدكتاتور بن علي لم يدم شهراً واحداً بعد نزف الدماء رغم وجود أزلام ومليشيات تابعة له، لكنه كان أكثر ضميراً من “فؤادو” الذي ظل “رابخاً” أكثرمن ٥٠٠ يوم رغم مآسيه والويلات التي جرها على البلد. ثاني عبر “ثورة تونس” موجهة أيضاً للحكام العرب وأذنابهم الصغار في لبنان حيث أن بن علي، الذي من أجل بقائه في السلطة “أخلص” للدول الغربية بخدماته الكبرى كتآمره على قادة الثورة الفلسطينية، خصوصاً أفضلهم من بين سائر “الأبوات” المرحوم أبو جهاد (خليل الوزير) الذي قتله “الموساد” في غرفة نومه، لكنها باعته “بقشرة بصلة”، كما يقال بالعامية، ولم تخلص له ثانية واحدة عندما زفت ساعة الثورة وبخلت عليه حتى بتأشيرة دخول لأراضيها في أصعب مرحلة من مراحل حياته، كما فعل به ساركوزي. بل أنها انضمت إلى صفوف الشعب “مباركة ومهنئة” كما فعل أوباما الذي نسي دعم أميركا والغرب للنظام الدموي عندما كان يفتك بمستقبل الشعب!
لقد ظلت طائرة بن علي تحوم في الجو من دون أن يسمح لها مطارٌ بالهبوط إلى أن آوته السعودية التي تعودت على إستقبال من لفظه شعبه من عيدي أمين إلى جعفر النميري وغيرهما. ولكن ألم يتعظ حلفاء الغرب في لبنان بشكلٍ كافٍ من إسرائيل التي هربت ضامةً ذنبها بين قدميها، كما يقول المثل الأميركي، من جنوب لبنان وتركت خلال ٢٤ ساعة، عملاءها الذين تفانوا في خدمتها مدة ٢٤ سنة لمصيرهم الأسود (فكفلهم القضاء اللبناني العادل، وضمن عودتهم إلى العمالة من خلال أحكامه التخفيفية وكأنهم ارتكبوا مخالفات عقارية)!؟ أو من تأديبة “٧ أيار” في عز سطوة بوش وأساطيله الجوالة القريبة من المياه اللبنانية المتفرجة على إنطفاء “ثورة سمير جعجع وعقل هاشم”؟
المثير للإهتمام أن أول إتصال أجراه بن علي كان بشاه ليبيا “دونكيشوت” القذافي الذي اعلن في إحدى المرات “وحدة” مع تونس من دون علمها، فأصدر هذا الأخير نداءً يحذر فيه التوانسة من التخريب. حمى الله تونس الخضراء من “الغرينش الأخضر” وحمى شعبها من مؤامرات بقايا النظام والأنظمة العربية المشابهة. وحمى الله شعب المقاومة والكرامة، من كل الطوائف، بعد أن صدر القرار الإسرائيلي مما تبين أن كل ما حصل منذ الصيف الماضي كان خدعة إنطلت على الشعب اللبناني من قبل سعد الطائر، شاهد الزور الأول مع مستخدميه، من أجل تقطيع الوقت بإنتظار صدور “القرار الإلتهامي”، بمعرفة أو بدون معرفة (وتلك مصيبة أعظم) رئيس بعبدا. وبالمناسبة، فإن قلوبنا مع المذعورين من “المجموعات البشرية” المدنية السلمية التي هطلت على المناطق بعد صدور فرمان المجرم بيلمار، لأنهم أولاً كانوا يلبسون معاطف سوداء مرعبة (يا ماما) وثانياً لأنهم نزلوا إلى الشارع في “بلدهم” فجراً ثم إنسحبوا من دون ضربة كف!!
في المرة الثانية نرجو أن يحضر أصحاب المعاطف السوداء “طاسات الرعبة”! والله بلد أعجوبة.
يريدون إلباس جريمة بشعبٍ طويل عريض مقاوم من دون أن يسمح له بالكلام أو.. التجول! أما الفضيحة التي بثتها “قناه الجديد” حول الجلسة الحميمية بين سعد الحريري والكاذب المحترف زهير الصديق ووسام الحسن والمحتال الألماني كمعلمه، ثم إفادة سعد أمام لجنة “التلفيق” الدولية، لو حصلت في أي بلد يحترم نفسه في العالم لطارت رؤوس وانهارت أنظمة. لكنه لبنان الذي أقصى ما يمكن أن يحدث فيه ثورة عوجاء اسمها “ثورة بولتون”! وإذا لم تصدق، أنظرإلى لافتات المبايعة في طرابلس للأمير “سعد بن علاقة” وكبارة بحيث طغت على أشرف ريفي نفسه!
التسجيلان، وقبلهما الإنصياع الواضح للضغط الأميركي الذي أفشل “السين- سين”، لم يفضيا إلى مجرد سؤال. بل رأينا صاحب الشعر المالس من فريق ١٤ يعتبرهما “فيلماً ركيكاً من إعداد مخابراتي” وذلك قبل أن يرد مكتب سعد الإعلامي بعذرٍ أقبح من ذنب! فسعد كرس رده مهاجماً التسريب المخابراتي لشريط التسجيل من دون أن ينفيه وناعياً “سرية” التحقيق (رغم أن تلفزيون “المستقبل” أعلن أنه سيبث الشريط كاملاً، فعن أية سرية يتحدث سعد؟) ومبرراً أنه أراد أن يستدرج الصديق إلى لبنان من دون أن يفسر لماذا يقوم بالمهمة بنفسه ويأخذ مكان ضباط المخابرات الذين يكرههم! وإذا كان جاداً في كشف كذب الصديق فلماذا ماطل في إحالة ملفه على المجلس العدلي ولماذا لم يسترده من فرنسا التي كان يمون على رئيسها؟ لقد وزع سعد إهاناته الشخصية بالجملة ولم يوفر حتى أحد النواب الزرق في كتلته، لكن لا يهم فقد حلت المشكلة لأن سعد إعتذر من الذين “طاولهم” حديثه ولابأس إذا تم رهن البلد مدة ٦سنوات وسجن ضباط وقتل عمال سوريون. وكما نلاحظ فإن المحتال العالمي ديتلف ميليس تبنى في تقريره للأمم المتحدة كل ما قاله سعد عن سوريا رغم قلة خبرته في السياسة والمعلومات واتكاله على مندوب إسرائيل تيري رود لارسن والمقلوع جاك شيراك اللذين كشفا إنحطاطهما وتواطؤهما الدنيء. أي لا تحقيق ولا من يحققون.
إبتسم فأنت في بلد “العنزة ولو طارت”!
Leave a Reply