ظلم وقمع وقتل، تجويع وترهيب وفتك بالأعراض؛ كان هذا عنوان الحقبة التي حكمت معظم أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الحقبة التي أتت تحت عناوين برّاقة مطالبة برفع “المظلومية” عن الشعب الذي قهره حكامه البرجوازيون “المتديّنون”.
وهذا كان حال أهل غدانسك البولوندية في صيف ١٩٨٠ عندما قاموا بتأسيس حركة التضامن، التي أدت بدورها إلى إنهيار حكم الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، ممهدةً الطريق أمام إنهيار المنظومة الشيوعية؛ وفي تلك السنة بالذات قدم إلى بولندا سفير جديد لتونس. وقد أعجب السفير التونسي بأساليب البطش والقمع السائدة الى درجة أنه قام بتقليدها ومن ثم تنفيذها بعد عودته إلى بلاده، وهي عودة كان من المفروض بها أن تأتي بالأمن والإستقرار!
ولم يكن ذلك السفير، سوى زين العابدين بن علي الذي سيصبح لاحقاً رئيساً لتونس.
ويعيد التاريخ نفسه، ويصبح لسفاح تونس (الذي لم يتعلم من مصير سفاح بولندا) غدانسك جديدة أخرى إسمها “سيدي بوزيد”.
ولكن هل تصبح “سيدي بوزيد” غدانسك العربية؟. هل ستنتقل العدوى إلى أمصارنا العربية، هل سيتذكر أهلنا رغيف الخبز فيخرجون للمطالبة به، أو يتذكرون شمس الحرية فيخرجون للإستدفاء بأشعتها..؟! أو هل يتذكرون أنفسهم، حتى، ويخرجون للبحث عنها في عتمة وزارات الداخلية بين جزمات الضباط؟!.
كم أود أن تتلون كل بلادنا بأخضر تونس القاني، وببياض ياسمينها الأحمر. ولكن هيهات أن تؤتى محاولات شباب مصر والصومال (وكل من ينتظر على القائمة من شبابنا) أكلها بهذه السرعة؛ لأننا شعوب تربت على الخوف، وعلقنا ضمن هذه الدوامة التي رسمتها لنا أنظمتنا وحراسها. هؤلاء الحراس الذين ماإنفكوا يطلعون علينا بشتى الفتاوى والأحاديث التي تحثنا على عدم الخروج على الحاكم حتى لو كان جائراً، أو في أحسن الأحوال إنتظار أمر الله وخروج المخلِّص. لا أدري كيف أقاموا هذه المعادلة بإسم الله أعدل العادلين، والأنكى، كيف صدقتهم شعوبهم التي نسيت بدورها انه “كما تكونون يولى عليكم”.
أما وقد هبّت علينا رياح “سيدي بوزيد” فلا بأس أن “نغيّر ما في أنفسنا” علّنا نلحق بالركب ونقف بين يدي رب العِزَّة مرفوعي الرؤوس!.
Leave a Reply