بعد انتهاء معركة صفين وانصراف جيش الإمام علي، دخل رجل من أهل الكوفة على بعير له الى دمشق، معقل معاوية بن أبي سفيان. أناخ الكوفي بعيره وذهب لقضاء حاجة، ورجع فوجد رجلا من دمشق يجر بعيره، فقال له: هذا بعيري فإلى أين أنت آخذه؟ فأجاب الدمشقي: هذه ناقتي أُخذت مني بصفين. فأجاب الكوفي: يا رجل هذا بعير وليس ناقة. فقال الرجل: أتكذبني أيها الكوفي؟ ونادى على رجل من جماعته وقال له: هذا الرجل الكوفي يدعي بأن هذه الناقة هي جمل، فماذا تقول؟ فقال الشاهد: نعم، نعم هي ناقة..
صرخ الكوفي قائلا: سوف يسلبون مني بعيري. فتقدم رجل ثالث فقال له الكوفي: يا أخا العرب هذا بعيري، وهذا الرجلان يدعيان أنها ناقة وأنها لأحدهما، فماذا تقول؟ تأمل الثالث بالرجلين ولم ينظر الى البعير وقال: نعم، نعم.. هذه ناقة!
بكل الحسرة صاح الكوفي قائلا: والله لن أرضى إلا بحكم قاضي القضاة بدمشق، فذهب الأربعة إلى القاضي وتركوا الجمل خارجا. سألهم القاضي: ما هي القضية؟ فأجاب الكوفي: جئت على بعيري من الكوفة إلى هنا، وهذا الرجل يدعي أنه ناقة وأنها له. سأل القاضي الاثنين الآخرين عن رأيها فقالا: نعم يا سيدي القاضي هي ناقة وليست بعيراً. وهذا الكوفي كاذب.
طار صواب الكوفي وطلب رفع أمره إلى معاوية.
نظر معاوية إلى الرجال الخمسة وقال: ما المشكلة؟ قال قاضي القضاة: هذا الكوفي يدعي ويكذب بأن له بعير، ولكنها ناقة يملكها هذا الدمشقي. وهذا الرجلان يشهدان بذلك.
قضى معاوية على الكوفي بالكذب. وقال للدمشقي: يا هذا خذ ناقتك وامضِ. ثم بعث إلى الكوفي، بعد أن تفرقوا، من أحضره إليه ثانية، وسأله عن ثمن بعيره، قال له: يا معاوية ألم تحكم بأنه ناقة؟ فسأله معاوية ثانية: كم هو ثمن بعيرك؟ فأجابه الكوفي فدفع إليه ضعفه، وأحسن إليه وأكرمه وقال له: اذهب الى علي بن أبي طالب وقل له: “معاوية سوف يرسل لك رجالاً لا يفرقون بين البعير والناقة ولا بين الحق والباطل، فانتظر”..
هذه القصة من كتب التراث أنقلها إليك أيها القارئ، تلخيصاً لما يجري في وطننا الصغير الجميل لبنان، حيث مع كل الحقيقة الساطعة الواقعة عن من يسعى لبناء لبنان كوطن مستقل قوي بجيشه ومقاومته وشعبه، ضد جور الجهلة الأثرياء والذين يزلفون إلى الأقوياء، ويستنصرون بقوى البغي والتحريض على الفتنة في سبيل زعامة زائفة أو منصب للاستئثار والاستعلاء.
إنه المال، هذا المثل الفرنسي، الذي ينطبق على آل الحريري في لبنان، فلولا المال، ما الذي يجعل حفنة من القوم، وبكل مهابة وجلال ينهضون ويصفقون لزعيمهم الشيخ سعد الدين الحريري بعد كل جملة غير مفيدة يلقيها على آذانهم غير القابلة للسمع وعلى نفوسهم السالبة للعدالة والحقوق العامة. يعني ما بيصير يصفقوا وهم قاعدون؟ أم هم لا يعلمون –بالحقيقة- لماذا يصفقون، ولا يعرفون الناقة من البعير؟ّّّ!
Leave a Reply