فارمنغتون هيلز – خاص “صدى الوطن”
العديد من قصص نجاح المهاجرين تبدأ بفكرة واحدة، وبالطبع بالقليل من المال الذي بالكاد يكفي للإقلاع بتلك الفكرة في الفضاء الأميركي الرحب.
وبالنسبة للمهاجر اللبناني اندرو عنصره وشقيقه جورج، في العام 1956 كانت الفكرة أن يمتلكا محلا تجاريا صغيرا بإمكاناتهما المتواضعة آنذاك، لكن مع الأمل الكبير في ارتقاء درجات السلم نحو موقع أكبر.
وصلت تلك العائلة إلى أرض الفرص والأحلام، أميركا، وبحوزتها مبلغ 25 دولارا فقط، لكن المبلغ الإضافي أتاهم من مصدر غير متوقع: 800 دولار قرضا من بائع الحليب الذي “كانت لديه ثقة كافية بأمانة المهاجرين اللبنانيين” جعلته يؤمن أن قرضه سوف يتم تسديده في المستقبل.
أقدم الأخوان على استخدام المال الإضافي، إلى جانب مدخراتهم الخاصة لابتياع متجر صغير يحمل إسم “كويل ماركت” في ديترويت.
لم يطل الوقت بالأخوين عنصرة اللذين هاجرا إلى أميركا من قرية عيتا الفخار اللبنانية في العام 1951 (جورج كان عمره 23 سنة آنذاك وشقيقه آندرو كان عمره 19 سنة) وبحوزتهما 25 دولارا فقط ودون أن يعرفا كلمة إنكليزية واحدة، حتى ازدهر متجرهما في ديترويت أيما ازدهار.
وبعد مرور أكثر من خمسة عقود، اصبحت مجموعة مطاعم آندرو عنصرة ذات الشهرة الواسعة في ولاية ميشيغن تضم 22 مطعماً “ريد روبن” وستة مطاعم “بيغ بوي” (باعت المجموعة العديد من المطاعم الأخرى في السنوات الأخيرة للتركيز على مشروع آخر) ومؤسسة تشمل المطاعم، ومباني عديدة من خلال تجارتهم العقارية، ومراكز التسوق (شوبينغ سنتر) ومطاعم أخرى مثل مطعم “تبولة” الشرق أوسطي الجديد في مدينة فارمنغتون هيلز ومطعم “بورتوفينو” الفخم في مدينة ويندسور الكندية ومطعم “البرغرز” الجديد في مدينة روتشستر هيلز.
آندرو عنصرة الذي يبلغ الثمانين من العمر الآن يشدد على أنه “نصف متقاعد” لكنه لايزال يلعب دور رجل الأعمال البالغ الأناقة الذي يشرف عملياً على يوميات عمل مجموعة مطاعمه باستمتاع، إلى جانب لعبة الطاولة المفضلة لديه، ومنذ أن توفي شقيقه جورج، حافظ آندرو عنصرة على حضور عائلي قوي داخل الشركة.
ويتولى فيكتور عنصره (59 سنة) وهو نجل آندرو عنصره منصب المدير التنفيذي للشركة بعدما أقفل شركة المحاماة التي كان يمتلكها من أجل التفرغ لإدارة سلسلة المطاعم التي طورها والده. بينما يقوم نجلاه الآخران نورمان وآندرو إلى جانب نجل أخيه جورج، لوي، بالإشراف على مطاعم الشركة المتنوعة.
“أولادي يديرون المسرح الآن” يقول آندرو، الذي يتولى عضوية الهيئة الإدارية في المجلس العربي الأميركي والكلداني (أي سي سي).
ويضيف في حديثه لـ”صدى الوطن” قوله “إن طريقتنا في النجاح لازالت على حالها، فعليك أن تكون مستقيما، ويجب أن تكون صادقا مع الناس، وأن تفعل ما هو صواب ولا تميز في تعاملك بين الناس. وحتى ولو كنت تؤدي عملا لغير حساب أو منفعة فقم به على أفضل وجه ممكن”.
لقد مرت أوقات في بدايات العمل الأولى، كان يبدو خلالها وكأن آندرو وشقيقه جورج كانا يعملان لقاء لا شيء.
لكنهما ركزا تفكيرهما على امتياز خاص هو سلسلة مطاعم “إلايس بروذرز بيغ بوي” في أواخر خمسينات القرن الماضي. وفي نهاية المطاف، وبعد إدارتهما لمطعم في مدينة آلن بارك تم بيعه بمبلغ ١٩ ألف دولار توجها إلى سلسلة مطاعم “إلايس بروذرز بيغ بوي” على أمل شراء واحد منها، لكنهما لم يستطيعا تأمين المبلغ بأكمله، فأقدما على إعادة تمويل منزلهما والحصول على قرض عقاري ثان ليتسنى لهما الحصول على صفقة شراء مطعم “بيغ بوي” على شارع فورد في مدينة غاردن سيتي.
وصار الأخوان عنصرة يكدان لفترة 17 ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الاسبوع، وفي نهاية المطاف أثمر كدهما، حيث صار الزبائن يتدفقون الى المطعم بأعداد كبيرة وصارت ترتاده شخصيات مالية مثل القطب المالي صاحب سلسلة “ليتل سيزر بيتزا” ومالك فريق” ديترويت ريد وينغز”/”تايغرز” مايكي إيليتش الذي كان يحضر إلى مطعم الأخوين عنصره في أوقات عطلته.
لم يمض أكثر من سنتين ونصف السنة على ابتياع المطعم حتى تمكن الأخوان من تسديد كامل الديون وكانا في طريقهما الى لبنان لقضاء عطلة تمتد لستة أسابيع احتفاء بهذا الانجاز، وقبل أن يعودا الى ميشيغن للتركيز على العمل مرة ثانية.
ومع مرور السنوات استطاع الأخوان عنصرة شراء المزيد من مطاعم الـ”بيغ بوي” التي تحولت الى العمود الفقري لنجاحهما. ويعلق آندرو على هذا النجاح المتزايد بالقول: “إن اختيار مسار والالتزام به هو مسألة حيوية في عالم الأعمال، لكنك تمر أحيانا بأوقات يكون فيها التجديد ضروريا”.
وهذا ما قامت به إدارة المجموعة في الوقت المناسب، قبل 17 عاما، عندما سافر آندرو الى ولاية أريزونا وزار مقر شركة “ريد روبن”.
ويقول عنصرة: “اعتدنا على زيارة أريزونا وأعجبت بما رأيته لأنك عندما تكون في ميدان عمل المطاعم بإمكانك توقع نجاح أو فشل أي مكان تفتحه، فقمنا بجلب هذا الإسم إلى ولاية ميشيغن ونجحنا فيه”.
ويضيف عنصرة أنه على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الحالية “قمنا بافتتاح فرع “ريد روبن” جديد في مدينة آن آربر العام الماضي، وهكذا تابعت السلسلة انتشارها في عموم أنحاء الولاية بفضل إدارة مجموعة عنصرة. وامتدت أعمال المجموعة الى شمالي ولاية أوهايو أيضا، فيما تبقى منطقة جنوب شرق ميشيغن قاعدة عملنا الأساسية”. يتابع عنصره.
ويقول فيكتور: “نحن جميعا ولدنا في منطقة ديترويت أنا وأشقائي وابن عمي، ولانزال نراهن على هذه المنطقة ومستقبلها”.
ولدى آندرو، رغم كل شيء، إيمان بمدينة ديترويت يعززه العمل المميز والكبير الذي يقوم به المجلس العربي الأميركي والكلداني مدعوما من شركة عنصرة في منطقة الميل السابع، من خلال ما بات يعرف بـ”مشروع الميل السابع التطويري” ومن خلال ما يقدمه المجلس من خدمات اجتماعية داخل وحول المدينة لجميع السكان وليس فقط للمتحدرين من أصل عربي.
ويقطن آندرو والكثير من أفراد عائلته الأوسع في منطقة فارمنغتون هيلز وهو لايزال يعشق ما يقوم به بالرغم من ساعات العمل الطويلة.
ويتابع آندرو حديثه بالقول: “إن مشهد قطاع الأعمال يعكس مخاطر قليلة حاليا، لكن إذا كنت مصمما على العمل الجاد في كل شيء فالنجاح سيكون حليفك. والأمور لن تبقى على ما هي عليه حاليا الى مالانهاية، وأنا متأكد أن الأوضاع ستكون أفضل”.
ويختم أندرو بالقول: “إذا كديت واجتهدت في عمل فستصل حتما الى مكان ما. لكن عليك أن تكون صادقا ومخلصا. بعض الناس يصبحون أغنياء بطرق ملتوية، لكننا لا نؤمن بذلك”.
Leave a Reply