قدمت المعارضة السابقة، التي أصبحت أكثرية بعد إخراج سعد من السلطة، تضحية كبيرة بقبولها تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة في لبنان-الأعجوبة وأثبتت أنها “أم الصبي” ومسؤولة عن مصير وطن، لا مصير سلالة سياسية! فميقاتي، الذي هاجمه محبو الحياة (من يذكر؟) وكأنه سني-أرثوذكس، لم يكن خيارها الأول ولم يلتزم مطالبها ونجح بالنيابة من خلال تحالفه مع الحريري، عدا عن أنه توافقي (الإسم الكودي لموقف اللاموقف المائع)، مما يكمل دور التوافقي الأول خليفة إلياس سركيس الذي شكل نصف الأزمة بسبب مماطلته في التصويت على ملف شهود الزور في مجلس الوزراء والذي تجري رياح التسويات من تحته وهو “بالطبل ضارب”. لقد لدغت المعارضة من جحرها من قبل فلم تتوقف عن تلقي اللدغ الآن؟
رغم ذلك، أضحى ميقاتي إبن طرابلس “عدو الله” ومرشح إيران الذي سيؤدي إلى حرق لبنان في نظر الغوغاء الذين قطعوا الشوارع وأعلنوا الغضب والحداد الوطني على مغادرة سعد السلطة! كم كان كبيراً زيف هؤلاء المساكين المسيرين كآلات الذين اتهموا ميقاتي بأنه مرشح “الولي الفقيه” يلوكون بهذه العبارة التي عممها كـ”أمر اليوم” مهندس الفتنة كبارة وزمرته وهم لا يدرون رتبة الشرف فيها! لقد ركبوا أعلى ما في خيلهم، وحين إنقلب السحر على الساحر ولم يتمكن “عناتر سعد” من التقدم خطوة واحدة إلى أبعد من مناطق نفوذهم و”تشرشحوا” أمام كاميرات العالم، إنكفأوا مدعين أنهم سمعوا كلمة الشيخ سعد.
لم لا؟ فخمسة اعوام ونيف من حكم السنيورة- سعد إنتعشت مناطق السنة المحرومة في الشمال والبقاع ومجدل عنجر، وكان الثنائي يحضر للجمهورالمقهور اليوم “الطحنة إلى بيته” كما تقول والدتي الكريمة! بربكم على ماذا يتحسر الجمهور “الأزرق”؟ على المدارس والإنماء والماء والكهرباء؟ أم على الشركات الأمنية والأفراد الذين تركوا فريسة لوحدهم في العراء في٧ أيار؟ ثم من يذكر إعتصام المعارضة في وسط بيروت ضد السنيورة الذي قيل فيه من قبل الحضاريين أنصار الدولة والمؤسسات من أمثال سمير جعجع وأمين الجميل وعشيرتيهما ما لم يقله مالك في الخمرة؟! ماذا فعل هؤلاء المتمدنون بعد خروج سعد من الحكم؟ لقد احترنا فعلاً في تحليل ردة فعل التيار الأزرق الهستيرية على خسارة السلطة. تأديبة “٧ أيار” لدرء مؤامرة السنيورة ضد المقاومة لم تمح من ذاكرتهم، وهم رغم كرههم الشديد للأحباش (وليعتبروا من لقاء سعد الحميم مع زهير الكذاب وسؤال وسام الحسن الملح عن تورط الأحباش.
أتذكرون أن وسام لم يجتمع بالصديق اطلاقاً خارج لبنان؟) ظلوا ينعقون على إستخدام السلاح في الداخل، لكن عندما تستخدم “اللعبة الديمقراطية” التي يقدسونها، على أساس أنهم مع دولة القانون والمؤسسات، تصبح “إنقلاباً إيرانياً” و”افتئاتاً على السنة” أو “عودة للحقبة السورية” (عجيب أين ذهب كل الود لسوريا وهل إعتذر سعد على كلامه المشين بحق الرئيس بشار الأسد كما إعتذر لكل الذين لحقتهم اهاناته في التسجيل الذي بثته قناة “الجديد”؟). “إحترنا يا قرعة منين بدنا نبوسك”! فالحق الديمقراطي بالإستقالة ممنوع، لأنه يحول لبنان إلى “بؤرة فساد” على حد قول سارقة “البونبون” مع طاهية شارون المفضلة. ذلك أن عهد نائلة معوض في حكومة السنيورة الذي سرق١١مليار دولاراً من الشعب اللبناني، كان شفافاً لا تشوبه شائبة، كما هي حالة وزارات بقايا السنيورة في حكومة الحريري. لقد بلغ بنائلة معوض الوقاحة درجة أنها استغلت مأساة ضحايا الحرب الإسرائيلية في الجنوب، الذين لا تحبهم، من أجل جمع تبرعات بإسمهم في أميركا لمؤسسة “رينيه معوض”. عن أي فساد تتحدث “إم رعيدة” التي يبدو أن وليمة الغضنفر الإيراني لم تؤثر فيها؟ فهي وعائلتها لم تسدد رسوم الكهرباء عبر ثلاثة كشوفات وأحيلت القضية على النيابة العامة حتى عندما كانت وزيرة؟ وإبنها الدلوع “ميشو” هو أحد حيتان المال وصاحب معاصر ضخمة للزيتون ومصانع أجبان وألبان في الشمال. أما أخته ريما فهي مديرة مكتب المؤسسة في الولايات المتحدة حيث عقدت صفقات تجارية ضخمة بلغت قيمتها ٣٣ مليار دولار. الإثنان يلعبان بالمال لعباً ويمنعان عن شركة الكهرباء ما قيمته ٦١ الف دولار! أما خالد الضاهر “جزار حلبا” التي إستشهد فيها كوكبة من السوريين القوميين الإجتماعيين، فقد حذر من يقبل رئاسة الحكومة من دون “الحاكم بأمرالله” بأنه سيضرب بالنعال. فهل يا ترى سيحقق كلامه إزاء ميقاتي؟ وأين سيهرب الضاهر من نعال التاريخ؟
الأجدر لرئاسة الحكومة اللبنانية، التي خلقت لآل الحريري دون غيرهم من السنة لأنهم “أصحاب الحق” الأبدي كما يراه قاتل الشهيد رشيد كرامي، كان إما المناضل أسامة سعد أو الوطني الكبير عمر غندور أو مصطفى حمدان.
أسامة سعد إبن نصير الفقراء، الزعيم الناصري التاريخي معروف سعد، الذي قتل ظلماً وغيلةً لكن لم تشكل محكمة دولية لمعرفة حقيقة قاتله. كذلك تعرض إبنه البكر، مصطفى، قائد المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي في منطقة صيدا، إلى محاولة لاغتياله من قبل عملاء إسرائيل وأدواتها المحلية أدت إلى فقدان بصره. هذا بيتٌ شريف ونظيف من بيوت العزة والكرامة الوطنية، أغلقه فؤاد السنيورة الذي إغتصب النيابة في صيدا بسبب سلطة المال والرشوة والدولة في إنتخابات المليار والمئتي ألف دولار التي “فتتها” السعودية كما منحت السنيورة عشرة ملايين دولار لإزالة جبل النفايات في صيدا فتمخض جبلان إثنان ولم تعد صيدا ترى للسنيورة وجهاً منذ أصبح “سعادة النائب”. يومها تبجح فؤاد أن “لا أحد يسكر أي بيت سياسي والسلطة تداول”، فلماذا لا ينطبق هذا الكلام على بيت الحريري السياسي اليوم ولماذا إعتبر أي تداول لرئاسة مجلس الوزراء غير شخص سعد “إغتيالاً سياسياً”. لقد ذهب اليوم الذي كان يتهم فيه كل من لايصوت للائحة “المستقبل” بأنه مساهمٌ في قتل الرئيس رفيق الحريري. لم تعد هذه الخدعة تنطلي على أحد بعد أن أن أبدى سعد إستعداده لكي يوقع على بياض ويجعل المحكمة وصرماية وئام وهاب سوية، مقابل البقاء في السلطة وحماية نفسه وشهود الزور معه من المحاسبة وفريقه السياسي من تطبيق القانون.
Leave a Reply