القاهرة – اشتعل الشارع المصري تحت أقدام نظام حسني مبارك الذي يعيش ساعات صعبة يطغى عليها الارتباك، فقد تحول “يوم الغضب” الذي أعلنه الشباب المصري الى ثورة تطالب بإسقاط النظام.
ورغم سنوات الرعب التي عاشها الشعب المصري من “الأمن المركزي” و”البلطجية” غزا الشبان شوارع القاهرة وساحاتها والمدن المصرية الكبرى بثورة مفتوحة.
وبعد أيام الغضب الثلاثة (٢٥ و٢٦ و٢٧ الجاري) وسقوط سبعة شهداء وفي ظل تجاهل من “الريس” أعلن الشارع المصري عن استمرار “أيام الغضب” بعد صلاة الجمعة في تظاهرات حاشدة (مع صدور هذا العدد) وقد عمدت السلطات المصرية لقطع خدمات الإنترنت والرسائل النصية والهاتف الجوال في خطوة استباقية لمنع المظاهرات التي دعي إليها عبر وسائل الاتصال المختلفة لإحياء ما أطلق عليه اسم “جمعة الغضب”.
وفي الإسكندرية تم أيضا قطع وسائل الاتصال المختلفة الإنترنت والرسائل النصية والهاتف الجوال في خطوة استباقية لمنع المتظاهرين من تجميع أنفسهم للمشاركة في الدعوة للتظاهر.
ويستند نظام مبارك على تكتيك “التجاهل” من جهة و”القمع” من جهة أخرى عل وعسى سيفق الشبان حماستهم.
ويخشى مبارك أن يقع في هفوات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي التي عجلت في هروبه فقد أعلن قصره أنه سيفتتح السبت المقبل معرض القاهرة الدولي للكتاب بمركز القاهرة الدولي للمؤتمرات في مدينة نصر.. وكأن شيئا لم يكن.
ومن جهتها، حثت الولايات المتحدة المرتبكة مبارك الاربعاء الماضي صراحة على اجراء اصلاحات سياسية في ضوء الاحتجاجات التي تطالب بإسقاطه مغيرة موفقها من حليف عربي رئيسي تغييراً واضحاً.
وبتوجيه دعوة جديدة الى اجراء اصلاحات بعد أيام الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين المصريين بدا أن واشنطن تراعي عدة مصالح من الرغبة في الاستقرار في حليف اقليمي ومساندتها للمبادئ الديمقراطية وخوفها من قيام حكومة اسلامية معادية للولايات المتحدة.
وجاءت الرسالة على لسان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية الاردن بعد أسبوعين من الاطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في ثورة شعبية.
وتشتبك الشرطة في القاهرة مع الاف المصريين الذين تحدوا حظراً حكومياً واحتجوا على حكم مبارك المستمر منذ 30 عاماً.
وكان بوسع الرئيس المصري حتى ما قبل هذا الشهر فقط أن يعتبر تمديد سيطرته المستمرة على البلاد منذ 30 عاماً دون أي جلبة أمراً مسلماً به حين تتم اعادة انتخابه او انتخاب خليفة يختاره -ربما يكون ابنه – بسهولة في ايلول (سبتمبر).
لكن الانتفاضة الشعبية في تونس والاحتجاجات التي استلهمت نهجها في مصر والمستمرة منذ يومين مزقت السيناريو المتكرر.
وجاء تفجر الاحتجاجات المفاجئ في أنحاء مصر والتي يغلب على المشاركين فيها الشبان الذين يحاولون تكرار تجربة تونس في الاطاحة برئيسها ليختبر قوات الامن في البلاد التي تمثل الريادة السياسية للعالم العربي.
فعلى حين غرة لم يعد قانون الطوارئ المطبق منذ عشرات السنين يحبط الاحتجاجات التي تخرج الى الشوارع.
ولم يعد النشاط على الانترنت قاصراً على طبقة من هواة الثرثرة تنتقد الحكومة سراً وعلى استحياء بل أصبح وسيلة استقطبت الآلاف الى احتجاجات منسقة في مدن بأنحاء مصر تهتف بالفصحى “الشعب يريد إسقاط النظام” ويالعامية المصرية “يا جمال قول لابوك..المصريين بيكرهوك”.
وبالنسبة لواشنطن فان علاقة مصر السلمية مع اسرائيل هي احدى ركائز الاستقرار في منطقة تعاني من الاضطرابات ليس فقط بسبب الاحداث في تونس وانما أيضا نتيجة سيطرة “حزب الله” على السلطة في لبنان.
اسرائيل: مبارك ليس زين العابدين
من جهة أخرى، يراهن مسؤولون ومحللون اسرائيليون على بقاء نظام مبارك في مصر، مستبعدين اي تهديد على اتفاقيات السلام بين البلدين. وقال وزير اسرائيلي طلب عدم الكشف عن اسمه لصحافيين اجانب “نحن نشهد زلزالا في الشرق الاوسط، ولكننا نعتقد ان النظام المصري قوي بما فيه الكفاية، وان مصر قادرة على الصمود امام الموجة الحالية من المظاهرات”.
وابدى مسؤول حكومي، حسب وكالات الأنباء، اخر طلب كذلك عدم الكشف عن اسمه، رأيا مماثلا. وصرح “ربما يكون النظام قد اهتز بسبب الاضطرابات حاليا، وكل شيء ممكن، ولكن الامور لا تبدو خطيرة”. مضيفا ان اتفاق السلام الموقع مع مصر ليس في خطر.
ولم يصدر اي رد فعل رسمي من اسرائيل حتى الان حول اندلاع التظاهرات في مصر، والتي تعد الاكبر التي تشهدها البلاد منذ ثلاثة عقود خشية اتهامها بالتدخل في شؤون مصر الداخلية.
والاربعاء الماضي اعرب سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي عن امله بان “تعطي السلطات المصرية مواطنيها حرياتهم وحقوقهم مع الاستمرار في الطريق الصحيح بالابقاء على العلاقات الجيدة المستمرة مع اسرائيل منذ عام 1979”.
البرادعي يصل القاهرة
وفي السياق، ركز الإعلام الغربي على وصول المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس الماضي الى القاهرة اتيا من فيينا للمشاركة في التظاهرات غير المسبوقة التي تشهدها مصر.
وصرح البرادعي للصحافيين فور وصوله الى مطار القاهرة “انها مرحلة حساسة في تاريخ مصر ولقد جئت للمشاركة مع الشعب المصري”.
وكان علي البرادعي قال ان شقيقه الذي اصبح من ابرز المعارضين المصريين “قرر العودة خصيصا للمشاركة في تظاهرات الجمعة” التي دعت حركة “6 ابريل” الشبابية لخروجها من جميع مساجد مصر بعد الصلاة.
وقبيل مغادرته فيينا الخميس، ابدى البرادعي استعداده، في حال طلب منه الشعب ذلك، لان “يقود مرحلة انتقالية” في مصر.
“جمعة الغضب”
وكانت 14 حركة شبابية مصرية اللمسات النهائية على خطة لحشد المصريين للتظاهر عقب صلاة الجمعة، ودعتهم إلى التوجه إلى الميادين الكبرى بمختلف المحافظات، تحت شعار “يوم المليون مصري في جمعة الغضب والحرية”.
وتضم الحركات -التي تنظم المظاهرة- مجموعات شبابية تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي، منها حركة “6 أبريل”، وحملة دعم البرادعي، واتحادات ومنظمات شباب ومجموعات “الفيسبوك”، أشهرها مجموعة “كلنا خالد سعيد”، ومجموعة عمر عفيفي، ومجموعات الإخوان المسلمين، ومجموعات حزبية كـ”اتحاد شباب الغ”د، و”وفديون ضد التوريث”. وكشفت مصادر في هذه الحركات عن توزيع آلاف الدعوات عبر الإنترنت و”الفيسبوك”، وأن بدء التحرك للمظاهرة سيكون الواحدة ظهرا، أي بعد صلاة الجمعة مباشرة، وتحدثت عن فرق مدربة من عناصرها لمواجهة الغازات المسيلة للدموع، إذا لجأ الأمن إليها.
وبالنسبة للقوى السياسية، أكد الدكتور عصام العريان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين أن موقف الإخوان ثابت، وهو أنهم سيشاركون في المظاهرات، باعتبارهم جزءا أصيلا من الشعب، وأن “مطالب شعبنا للإصلاح هي مطالبنا”.
أما جورج إسحاق المنسق الأسبق لحركة “كفاية” -التي أعلنت مشاركتها- فقال “يوم الجمعة سيكون يوما فارقا ومشهودا في تاريخ مصر، فإما أن تتحقق مطالب الشعب، أو أننا سنصر على الاعتصام حتى تتحقق”. وحذر من لجوء الأمن إلى العنف، “لأن هذا الأسلوب سيؤدي إلى عواقب وخيمة”.
واستبقت السلطات المصرية انطلاق مظاهرات “جمعة الغضب” بقطع خدمة الإنترنت والرسائل النصية القصيرة، ونشر قوات العمليات الخاصة بكثافة في القاهرة، سبقتها حملة اعتقالات.
كما تعطلت مواقع “فيسبوك”، و”تويتر”، جنبا إلى جنب مع الرسائل القصيرة عبر الهاتف الجوال وذلك في محاولة للحد من حشود المتظاهرين الذين يعتمدون بشكل كبير على تلك الوسائل لتحركاتهم.
ونشرت قوات العمليات الخاصة، التي نادرا ما تشاهد في شوارع القاهرة، وأحاطت بمواقع إستراتيجية، بما في ذلك ميدان التحرير الذي كان مسرحا لاكبر المظاهرات. وتوعدت وزارة الداخلية باتخاذ “تدابير حازمة” ضد المعارضين. وقتل سبعة متظاهرين ورجلا شرطة فيما أصيب العشرات منذ الثلاثاء الماضي في مناطق متفرقة من البلاد (معظمهم في السويس) حيث استمرت حركات الاحتجاج والاشتباكات الخميس وشهدت اعتقال حوالى ألف شخص.
Leave a Reply