البروفسور فنكلستين: الحرب القادمة سيكون من السهل
تصور بدايتها لكن من الصعب توقع نهايتها
ديربورن – خاص “صدى الوطن”
هل أنت صهيوني؟
سأل البروفيسور ديفيد سكربينا، مدّرس مادة التاريخ في “جامعة ميشيغن-ديربورن”، البروفسور المحاضر نورمان فنكلستين، الذي حضر من نيويورك لإلقاء محاضرة تلبية لدعوة “اتحاد الطلاب العرب” و”طلاب من أجل التوعية الإسلامية” في الجامعة نفسها، بحضور ما يزيد على الـ250 طالباً، ظهر الأربعاء الماضي.
السؤال أثار حفيظة فنكلستين المعروف بهدوئه الشديد، فالتف عليه من طريق طويل، منوهاً بوجود فرق كبير بين السياسة والإيديولوجيا، ومشيراً إلى “ضروة التركيز على العمل السياسي.. لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة”. وكان سؤال د. سكربينا ذا معنى، خاصة وأن فنكلستين انتقد بضراوة، وطوال المحاضرة، الممارسات الإسرائيلية وعنّفها وسخر من ادعاءات القادة الإسرائيليين وطريقة تعاملهم مع الفلسطنيين خلال الحرب على غزة (مقترحاً أن “مهاجمة غزة” هو التعبير الأنسب، بدلا من تعبير الحرب على غزة) أو تعاملهم مع اللبنانيين خلال حرب تموز.
وكان السؤال الكامل: هل تنتقد الفكر الصهيوني، وكيف تعرّف الصهونية، وهل أنت صهيوني؟
ورد فنكلستين، بأنه في بداياته امتلك بعض الأوهام، مثل جميع الآخرين، وأنه الآن وقد “كبر” –حسب تعبيره- فهو يرى أنه لا معنى لأن يكون المرء صهيونياً أم لا، وأن استخدام الإيديولوجيا وتجييرها لا يعني شيئاً ذا مغزى. وأضاف “عندما كنت أتكلم لم استخدم أقوال (مؤسس الحركة الصهيونية تيودور) هرتزل ولا (المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي) خامنئي، وإنما كنت استخدم اللغة التي يفهمها الناس”.
وضرب فنكلستين مثالاً ليدعم فكرته، وقال “لنأخذ (القاضي الجنوب افريقي والمدعي في محكمة العدل الدولية لجرائم الحرب ريتشارد) غولدستون الذي قال في التقرير الذي أعده عن “حرب غزة”: إن اسرائيل استخدمت قوة مبالغ بها لمعاقبة وإرهاب السكان المدنيين. لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال: إن لدى اسرائيل ثلاث عقبات كبرى: إيران وصواريخ “حزب الله” وغولدستون”.
وأضاف قائلاً: “غولدستون قال أنا صهيوني وأنا أحب إسرائيل. هو صهيوني ولكنه في الحقيقة كان قاسياً على إسرائيل”.
وأزاد إن المفكر الأميركي نعوم تشومسكي قال: “أنا صهيوني منذ كان عمري 5 سنوات”.
وقد حاولت المداخلتان التاليتان، الاعتراض (بطريقة خفية) على إجابة غولدستون التي بدت التفافية وغامضة ورمادية.
ويبدو أن البروفسور نورمان فنكلستين لن يكون “شخصاً” مثيراً للجدل في الأوساط الداعمة لإسرائيل فحسب، بل سيكون كذلك في أوساط الداعمين للقضية الفلسطينية، فهذا الأمر يتكرر للمرة الثانية. ففي المحاضرة التي ألقاها فنكلستين في “كلية هنري فورد” في ديربورن منذ حوالي الشهرين، أثارت أفكاره بعض الحاضرين لدرجة أن أحد الناشطين العرب الأميركيين تقدم بمداخلة عنيفة وغاضبة (في محاولة لوضع النقاط على الحروف) وخرج من القاعة احتجاجاً.
وتركزت المحاضرة بشكل أساسي حول الحصار على غزة، المستمر منذ ما قبل الحرب على القطاع والذي مايزال مستمراً حتى الآن، واصفاً عدوان غزة بـ”المذبحة”. من منطلق أن مقارنة أولية بين عدد القتلى الفلسطينيين والقتلى الإسرائيليين تصل الى نسبة 100 قتيل فلسطيني (أو أكثر) مقابل كل قتيل إسرائيلي، “لذلك فما حصل لا يشير إلى حرب، بل إلى مجزرة”.
ورأى فنكلستين أن إسرائيل، ومنذ ما بعد العام 2001، وبعد “حرب تموز”، تحضر نفسها لحرب جديدة في المنطقة ستكون نتائجها مختلفة، وأنها في هذه المرة ستفعل كل ما بوسعها لتخرج منتصرة. وقال إن الحرب القادمة “ستكون حرباً من السهل تصور بدايتها ولكن من الصعب تصور إلى أين ستنتهي”.
وأضاف فنكلستين “إن الإعلام الإسرائيلي يبالغ أمام الرأي العام الداخلي بقدرات “حزب الله” لتبرير الحرب القادمة وتحضير الإسرائيليين لتداعياتها وآثارها التي ستفوق المتوقع”.
وانتقد المفكر اليهودي الإسرائيليين وقال “إنهم دائماً يسوقون الحجج، عبر القول إنهم (الفلسطينيون) يجبرونا على قتلهم، وأنه ليس لدينا خيار آخر، وأن “حماس” تستخدم المدنيين في معركتها”.
وفنّد فنكلستين الإداعاءات التي يسوقها الساسة الإسرائيليون لتبرير مهاجمة مركب “مافي مرمرة”، أو ما عرف باسم “أسطول الحرية” الذي كان قاصداً الشواطئ الغزّية في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي الذي حوّل القطاع إلى سجن جماعي، يعيش في أكثر من 1,5 مليون فلسطيني وسط ظروف بائسة.
وقال “إن الإسرائيليين قتلوا تسعة ناشطين مدنيين أتراك، ستة منهم قتلوا بدم بارد”. وأضاف “إذا عرفنا أن أحد هؤلاء القتلى قتل بأربع رصاصات، وآخر قتل بإصابات عديدة في العنق، وغيره قتل بإصابة قرب الأذن إضافة إلى إصابات أخرى، فإن ذلك يعني شيئا واحداً.. وهو أنهم قتلوا عن قصد”. وتساءل فنكلستين بسخرية: “ألا يعرف الإسرائيليون أن يطلقوا الرصاص على الأقدام”؟ رافضاً في الوقت ذاته دعاوى الإسرائيليين بأن المركب كان يقّل إرهابيين، وكيف يكون هناك إرهابيون ولم يقتل أي جندي إسرائيلي في ذلك الإنزال البحري؟
وتساءل المحاضر باستغراب: لماذا تستعمل إسرائيل القوة، طالما كان بإمكانها أن تقوم بكل ذلك المنع والتحكم والمحاصرة والتطويق؟ وقال إن اسرائيل خلال مهاجمتها لأسطول الحرية كانت تريد الثأر، وأنها تستخدم القوة المفرطة لأن قادة إسرائيل يؤمنون بأن “العرب لا يفهمون إلا لغة القوة”.
وتضمنت المحاضرة في جزء منها الحرب على لبنان في تموز عام 2007، وما حدث خلالها من تدمير لبنى تحتية وتجمعات سكنية ذهب ضحيتها المئات من المدنيين، ولا سيما في منطقة الضاحية الجنوبية.
Leave a Reply