بيروت – علي شهاب
حالة من المراوحة السياسية يعيشها لبنان، نتيجة عوامل عديدة لا تخرج عن دائرة انشغال العالم بأحداث تونس ومصر، فضلا عن رغبة مختلف الأفرقاء في التهدئة على امل حصول اختراق في المشهد ان لناحية الموقف المنتظر لرئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده في الرابع عشر من شباط او في خطوة إضافية للمحكمة الدولية أو لناحية حصول تبدّل استراتيجي في المنطقة مع جلاء الصورة في مصر، وربما وقوع أحداث مماثلة في دول عربية لها تأثيرها في الملف اللبناني.
على أن حالة المراوحة هذه انسحبت، في أبرز تجليّاتها، على تشكيل الحكومة في ظل تشبث كل طرف بموقفه، مع أنّ المؤشرات جميعا تصب في خانة عدم مشاركة قوى الرابع عشر من آذار، باستثناء “حزب الكتائب” على ما يبدو، في الحكومة الجديدة، بحسب ما توحي تصريحات صقور تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية تحديدا، مع اصرارهم على “تنحي” الرئيس نجيب ميقاتي كشرط للمشاركة في الحكم!
أما في بورصة التشكيلة فهي رست حتى الساعة على ثابتة واحدة: الأغلبية ستكون للمعارضة السابقة، مع استمرار المفاوضات في العلن والسر لتحديد الحصص وتوزيع الحقائب.
وأخر التسريبات تؤشر الى توجه لتشكيل حكومة موسّعة تضمن تمثيلا يتناسب وحجم الطوائف، مع حديث عن نية لإعطاء مقعد للأقليات المسيحية واخر للعلويين.
غير أن هذه المفاوضات تظل خاضغة لرغبة رئيس الحكومة المكلف في ايجاد توافق عام قبل تأليف الحكومة. من هذا المنطلق، يكثف ميقاتي من لقاءاته السياسية، خاصة مع رئيس حزب الكتائب امين الجمّيل ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، علما ان نتيجة جميع هذه المساعي ستُحددها كلمة الحريري في 14 شباط، وهي المناسبة التي يسعى تيار المستقبل الى حشد أكثر قدر من المشاركة الشعبية فيها، من دون أن يضمن هدفه هذا، بعد الصورة الأخيرة التي عكستها جماهيره في “يوم الغضب”.
تبقى الإشارة، عند الحديث عن ملف تشكيل الحكومة، الى أن الأسماء التي تتداولها أوساط المعارضة تتوافق الى حد كبير مع نيتها اجراء مراجعة وفتح باب المحاسبة للمرحلة السابقة. لذا، تتردد الأنباء عن مطالبة العماد ميشال عون، باسم الأغلبية الجديدة، بوزارات سيادية على رأسها الداخلية والمالية، مع اصرار على الأخيرة لما ترمز اليه، في خطوة عملية لطي مرحلة الحريرية، مع أن قوى الثامن من آذار تؤكد حتى الساعة مدّ يدها للفريق الأخرى.
وهو ما عكسه أيضا حديث النائب وليد جنبلاط بدعوته الضمنية سعد الحريري الى التكيّف والتأقلم مع المرحلة الجديدة وعدم اتخاذ قرار بـ”انهاء نفسه” سياسيا، من خلال رفضه المشاركة في الحكم.
ودعا جنبلاط الحريري الى “تعلم دروس في الجغرافيا السياسية” في معرض تفسيره للتحول الذي قام به، وتوجه بتسمية ميقاتي رئيسا للحكومة، متهما الولايات المتحدة بـ”إفشال التسوية السورية – السعودية”.
ولفت جنبلاط في موقف بارز الى أن ما حصل أخيرا من تحول سياسي في لبنان “ليس انقلاباً، بل إعادة للوضع إلى نصابه الحقيقي. أمن لبنان من أمن سوريا، وأمن سوريا من أمن لبنان، هذا التلازم شكل قاعدة أساسية في اتفاق الطائف الذي رعاه رفيق الحريري مع الملك فهد وسوريا، وبرعاية أميركية آنذاك. الآن ارتاحت سوريا وستعود العلاقات اللبنانية-السورية المميّزة إلى طبيعتها. صحيح أن هناك فريقاً لن يستسلم رغم خسارته مصر هو قوى 14 آذار. سيظلّ هذا الفريق يعمل على التعطيل”.
ورأى جنبلاط أن الحريري أوجد مشكلة سنّية-سنّية “عندما استقبل الرئيس ميقاتي ونظر إليه شزراً كأن ثمّة ثأراً شخصياً بينهما”، كاشفا أنه في “يوم الغضب” اتصل بوسام الحسن وبالنائب السابق غطاس خوري، مستشار الحريري، لإبداء امتعاضه من مشهد الشارع.
على خط مواز، كان لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب ميشال عون جملة مواقف عكست ارادة قوى الثامن من اذار في عدد من المحطات، أبرزها ملف المحكمة الدولية، فأكد، ردا على سؤال حول ما اذا كان يتخوف من أن تؤدي مساعي “حزب الله” لإلغاء المحكمة، إلى عزلة لبنان وقطع المساعدات الدولية عنه ومعاقبته تحت البند السابع، أكدّ انه “لا نخشى ذلك لعدة أسباب. فإقرار المحكمة الدولية تم بطريقة خاطئة محليا ودوليا، وفي أي مقارعة قانونية بيننا وبينهم نستطيع أن نظهر لهم هذه الأخطاء. فلبنانيا لم تقر المحكمة وفقا للأصول، بحيث تم الاتفاق في حينها بين مجلس الأمن ورئيس الوزارة، الذي لا يملك الصلاحية، لأن الاتفاقات الخارجية يفاوض بها رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة، ومن ثم ترسل إلى مجلس الوزراء ليوافق عليها ويحولها بدوره إلى مجلس النواب، نظرا للمدة الزمنية الطويلة وللأعباء المادية الكبيرة التي تترتب عليها، كما يجب أن يتم تعديل المادة 20 من الدستور اللبناني، حيث ما من صلاحية لأي محكمة دولية دون تعديل المادة 20 من الدستور اللبناني التي تنص على أنه ما من صلاحية لأي قضاء غير القضاء اللبناني إذا كانت الجريمة على أرض لبنان، وهذه الأمور الثلاثة لم تحصل. أما وضعنا تحت الفصل السابع، فلا يتم إلاّ إذا كنّا نشكل تهديدا للسلام الدولي، وأعتقد أننا لم نهدّد أي أحد بقنابلنا الذرية، كما يجب أن تكون هناك مجازر، وهذا أيضا لا ينطبق على لبنان، لأنه حصلت اغتيالات محددة على صنف من الناس، ولم نفقد السيطرة على الأرض اللبنانية من الناحية الأمنية، لقد اعتبرنا في الفترة السابقة أن الحكومة غير شرعية، ولكننا لم نكسر لوح زجاج واحد يوم إقرار المحكمة في العام 2007، شرعة الأمم المتحدة تحترم سيادة البلدان وقوانينها، ولا يستطيع مجلس الأمن أن يمس سيادتنا لأننا لم نفقدها داخليا. وضعنا يختلف كثيرا عن وضع أوغندا التي شهدت أعمال عنف ومجازر، ولا يستوجب وضعنا تحت الفصل السابع”.
وردا على سؤال عن ان كان لايزال يطمح لرئاسة الجمهورية، أوضح عون ان “دوري في لبنان أهم من رئاسة الجمهورية، وإذا ذهبت إلى القصر سيتطلب ذلك مني لعب دور الحكم، ولن أتمتع بحرية العمل السياسي، لأن دور رئيس الجمهورية مقيد جدا، بينما موقعي يعطيني حرية مطلقة في السياسة”.
واكد عون انه ليس لديه مانع من الاستمرار بالرئيس ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، لافتا الى انه ما من موجبات حاليا تدفع لانتخاب رئيس جديد، مشيرا الى ان الرئيس من حيث المبدأ سيكمل ولايته الا اذا كان هو لم يعد يرغب.
في هذه الأثناء، كان رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فرنسوا رو يعلن أن “القرار الاتهامي سيبصر النور بعد أسابيع قليلة”، وذلك على هامش بدء المؤتمر القانوني العربي لدراسة المحكمة أعماله في قاعة أكاديمية القانون الدولي في لاهاي.
وحتى ذلك الحين، ينشغل الشارع اللبناني بأحداث مصر، بانتظار ان ينفرج المشهد عن نيل الشعب المصري لحريته، وإنطلاق عجلة العملية السياسية في بيروت مع الإعلان عن الحكومة الجديدة.
Leave a Reply