في خضم ما تشهده شوارعنا العربية في هذه الأيام المجيدة، من انتفاضات وثورات نعبّر عن فخرنا بهذا الاندفاع العفوي والنقي والشجاع لشباب العرب الأحرار في تونس وفي مصر، في فلسطين، وفي الأردن واليمن ولبنان وبقية أقطار الوطن العربي.
إننا، وبكل اعتزاز ننحاز إلى الشعوب المنتفضة لكراماتها والمطالبة بحقوقها الفردية والجماعية ونعبر عن كل الدعم لنضالاتها المباركة من أجل تحقيق الديموقراطية والتنمية ولتحطيم قلاع الطغاة ولسيادة حكم الشعب.
لقد كان زمن، قاد فيه العرب والمسلمون الحضارة العالمية بإنجازاتهم العلمية الباهرة، في ميادين الرياضيات والطب واللغة والفلسفة. لكن منذ الحربين الكونيتين الأولى والثانية، وفي ظل موجات الرجعية والاستعمار، جرى خداع الشعوب وقمعها على أيدي القوى الغربية.
وفي مطالع خمسينات القرن الماضي، خرج القائد العربي الشجاع جمال عبدالناصر ليضيء عتمة ذلك الزمن العربي، بقيادته لثورة “23 يوليو” في العام 1952، لكن هزيمة العام 1967 أصابت الصعود القومي والكرامة العربية بجرح بليغ، قبل أن تعود الجماهير المصرية وتندفع في شوارع القاهرة والمدن المصرية بالملايين هاتفة بصوت واحد: “حنحارب”.
لقد اعتقدت الولايات المتحدة أن سلب العالم العربي يمكن أن يدوم، وحاولت، بقصر نظر مذهل، أن تؤبد الواقع العربي المتردي.
لكن عقودا من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وإلغاء القانون الإنساني، أطلقت أخيرا الروح العربية الجمعية ملتهبة متمردة. ولسوف تدفع الولايات المتحدة ثمنا باهظا لسياساتها الطويلة الداعمة للأنظمة الوحشية والدكتاتورية.
وها هو الزمن العربي الزاهي قد بدأ يسيطر في مختلف الأقطار والأمصار، وما حدث في تونس الخضراء، ثم في مصر البهية أعاد العزة إلى نفوسنا والأمل إلى قلوبنا، ونحن نشهد ونشاهد انتفاضة الروح العربية الأصيلة ونهضة المقاومة في وجه الطغاة وأعداء الحقوق الإنسانية والديموقراطية لشعوبنا الأبية.
لقد انتهى عصر استلاب الثروات واجتياح الأوطان وارتكاب جرائم الإبادة ضد المستضعفين. لقد خرج المارد العربي من قمقم التخلف والخنوع ليقول “لا” مدوية، وليضع حدا لعهود الظلم والطغيان.
على مدى ربع القرن الماضي، ناشدت هذه الصحيفة قادة وطننا الأميركي لأجل تصحيح سياساتهم إزاء القضايا العربية. وعلى مدى سنوات طويلة حذرنا من أن المصالح الحيوية لهذه البلاد لا تخدم إلا بتعاط عادل مع الشعوب العربية، وبالابتعاد عن سياسة الانحياز الناجز للمغتصبين الاسرائيليين ودعم سياساتهم غير الشرعية ضد الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين.
الآن تصرخ شعوب المنطقة في وجه كل العالم ما كنا نحاول إفهامه لأصحاب القرار بهدوء وعقلانية.
لقد مضى زمن استكانة الشعوب أمام الطغاة المنصبين والمدعومين من الولايات المتحدة والغرب، لأجل تمكين سياسة الاحتلال الاسرائيلي والاستغلال الأجنبي لثرواتها.
لقد سنحت الفرصة لهذه البلاد مرات ومرات لتصحيح سياساتها الظالمة، لكن القيمين عليها أصروا بعناد على سلوكهم وصموا الآذان عن كل النصائح. لقد افتتحت شعوبنا عصر الثورات وأمامها طريق طويل.
تحية لروح محمد البوعزيزي ولمسيرة الحرية التي أضاء شعلتها من ضاحية سيدي بوزيد المنسية في الغرب التونسي. ولسوف تبقى روحه حية فينا جميعا.
وتحية إلى ثوار مصر الأحرار المنتفضين في ميادين الحرية في القاهرة والاسماعيلية والاسكندرية والسويس… وسائر أنحاء مصر البهية.
Leave a Reply