عندما يجد السياسيون الأميركيون أنفسهم مضطرين إلى مناقشة أمر من أمور الشرق الأوسط فإن تعليقاتهم في معظم الحالات غالباً ما تظهر جهلاً فاضحاً بالحقائق، وتأثراً بالمنفعة السياسية لا بالواقع، أو لنقلْ حتى غباءً مطلقاً، بكل بساطة. ولعل تعليقات مسؤولي الإدارة عن الأحداث الجارية الآن في مصر تعد دليلاً واضحاً على ذلك. فمعظم تلك التعليقات التي كانت تصدر عن منظورين: المنظور الحزبي ومنظور الولاء لإسرائيل، جاءت إما غريبة، أو خطيرة.
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، قالت إيلينا روس-ليتنين رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي (جمهورية): “إن السيد مبارك يجب أن يعد العدة لإجراء انتخابات شرعية حرة، معترف بها دوليّاً… وإن الولايات المتحدة يجب أن تستفيد من أخطائها الماضية وتدعم عملية تشمل مرشحين يستوفون الشروط الأساسية لزعماء الدول المسؤولة، ويشجبون الإرهاب، ويلتزمون بحكم القانون، ويعترفون باتفاقية السلام مع إسرائيل”. وباختصار شديدة فإن النائبة ليتنين تريد مرشحين يستيجيبون لمعاييرنا، وليس لمعاييرهم.
ومع ذلك فإن ما قالته رئيسة لجنة العلاقات الخارجية يبدو أفضل بكثير من ذلك الهراء ذي الصبغة الحزبية الواضحة الصادر عن رئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق نيويت غينغريتش (جمهوري).
فغينغريتش الذي يقال إنه أحد الطامحين في الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة عن حزبه يبدو ضحلاً بشكل لا يطاق، وغير متسق في رأيه، بشأن معظم قضايا الشرق الأوسط. فقد قال عن الوضع في مصر: “هناك احتمال كبير لأن تنضم مصر خلال أسابيع للبنان، وغزة، وأن تنضم لكافة الأشياء التي يمكن أن تشكل خطورة استثنائية علينا”.
وانتقد غينغريتش الرئيس أوباما “لسذاجته، ولأنه ذهب إلى القاهرة ليلقي خطابه الشهير الذي قال فيه إننا جميعاً يجب أن نكون أصدقاء لأنه ليس هناك فرق بيننا… حسناً. أنا أعتقد (والكلام لـغينغريتش) أن هناك فرقاً كبيراً بيننا وبين الإخوان المسلمين”.
ولكي يظهر غينغريتش أن الإدارة الأميركية ليس لديها دليل أو موجه إرشادي تستند إليه للعمل، وأن لديه هو مثل هذا الدليل وجه النصيحة التالية لأوباما: “ادرسْ ريغان وكارتر.. ثم افعل ما فعله ريغان وتجنب ما فعله كارتر”.
ولم يقتصر الأمر على مثل هذه التصريحات الغريبة والخطرة، بل إن الحاكم السابق لولاية أركنسو والمتقدم السابق لترشيح انتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهوري عام 2008 مايك هاكابي استغل مناسبة الأحداث في مصر ليقوم برحلته الخامسة عشرة إلى إسرائيل، حيث أدلى بتصريح قال فيه بنبرة أسيفة “إن إسرائيل تشعر بالوحدة… وهي لا تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة لأنها لا تثق بأنها ستقف بجانبها”!
أما النائبان شيلي بيركلي وأنتوني واينر (ديمقراطيان) فقد عبرا عن قلقهما من الديمقراطيات العربية، لماذا؟ لأن إسرائيل قد رأت من قبل، كما قال بيركلي: “كيف أن تجربة ديمقراطية يمكن أن تأتي إلى السلطة بأعداء لها”، أما واينر فقد قال: “إن الحاصل هو أن الديمقراطية التي نعرفها، والديمقراطية على النحو الذي تطبق به في العالم العربي، أمرين مختلفين أشد ما يكون الاختلاف”.
أما عضو الكونغرس جيسي جاكسون الذي حاول أن يبدو ذكيّاً، ومهتمّاً بالشؤون الدفاعية (وأخفق في ذلك إخفاقاً يدعو للرثاء) فقد تنطع هو أيضاً ليقول: “لا يمكن السماح بأي حال من الأحوال بسقوط التقنية الأميركية التي قدمناها لهم -يقصد المصريين- في أيدي الإخوان المسلمين، أو حلفاء الدول المارقة في المنطقة”.
وهناك عدد آخر من أعضاء الكونغرس ركزوا على التهديد الذي يمكن أن تمثله الأحداث الحالية في مصر على حرية الملاحة في قناة السويس، وبالتالي على أسعار النفط، واستغلوا الظرف للضغط على الرئيس الأميركي لتجديد محاولتهم تمرير مشروع قانون الطاقة في الكونغرس.
أما الشيء المقلق في هذا السياق فهو كون القادة السياسيين الأميركيين، وكما كان يحدث دائماً خلال العقود القليلة الماضية، أتيحت لهم فرصة لمعرفة المزيد عن العالم العربي، ولكنهم أخفقوا في الاستفادة منها، ونظروا إلى أحداث تونس ومصر على أنها تمثل إما تهديداً لإسرائيل، أو فرصة يمكن للولايات المتحدة استغلالها لضرب القوى المناوئة لها، بينما كان الواقع مختلفاً عن ذلك تماماً.
والواقع هو أن الاحتجاجات المصرية كانت مسألة مصرية داخلية، وتتعلق بمصر في المقام الأول، ولم يكن هناك أحد من المجتمعين في ميدان التحرير ينتظر مباركة من غينغريتش، أو حتى من أوباما.
وينبغي ألا أنسى أيضاً ذلك المذيع التلفزيوني السخيف، الذي أجرى لقاءً مع متحدث باسم “الإخوان المسلمين” وحاول قدر استطاعته أن يجبره على أن يقول إن الجماعة تعترف بالدولة اليهودية… ولاشك أن ما فعله هذا المذيع لا يمكن وصفه بشيء سوى السخافة الشديدة، وذلك لشدة خروجه عن موضوع الأحداث.
ولا يقل عن ذلك سخافة، ما قام به إليوت أبرامز، وهو أحد العقائديين المنتمين لـ”المحافظين الجدد” ممن خدموا في إدارة بوش، الذي كتب مقالاً حاول أن ينسب فيه فضل الاحتجاجات المصرية للرئيس السابق بوش على أساس أنه دافع عن الديمقراطية في عهده، أما أوباما فلم يفعل ذلك.
والحال أن الحقيقة مختلفة عن ذلك تماماً، فبوش، وإن كان قد تكلم عن الديمقراطية، إلا أنه مضى بعد ذلك لاتباع سياسات إقليمية كانت مرفوضة على نطاق واسع لدى الجماهير العربية، وهو ما أحرج الأنظمة الحليفة أمام تلك الجماهير، وجعلها تدرك أن المحافظة على الشراكة والتعاون مع الولايات المتحدة ستكون أمراً مكلفاً لها من الناحية السياسية أمام شعوبها.
إن السياسيين الأميركيين بحاجة إلى إدراك أنهم ما لم يلموا بالحد الأدنى من المعرفة السياسية عن العالم العربي، ويعملوا، بناء على تلك المعرفة، على تغيير سياسات أميركا في كافة أرجاء المنطقة، فإنه لن يكون لهم دور بناء يمكن أن يلعبوه.
وهؤلاء السياسيون قد يلجأون إلى التهديد بسحب المساعدات، وقد يطالبون بما هو أكثر من ذلك، ولكن النهج الأكثر حكمة في نظري هو أن يعملوا ببساطة على التأكيد على مبادئنا، وأن يكتفوا بلعب دور متواضع ثم يتركوا الأحداث تأخذ مجراها.
Leave a Reply