بيروت –
طغت أخبار مصر على ما سواها في الساحة السياسية اللبنانية هذا الأسبوع، وإن استمر حراك رئيس الحكومة المكلف على أكثر من جبهة لإخراج التشكيلة الوزارية بما يضمن توافق أكبر عدد ممكن من الأفرقاء وتأمين قدرة للسلطة التنفيذية للتفرّغ لحل مشاكل المواطنين، بعد أن عانت المصالح العامة في السنوات القليلة الماضية من تبعات الانقسامات السياسية الحادة وصارت الملفات الاقتصادية والمعيشية بحاجة لعملية انقاذ يكاد يجمع المراقبون على قدرة ميقاتي على مواجهاتها باعتباره رجل أعمال يتقن لغة العمل قبل الكلام.
هذا في حين تبدو قضية اعتكاف فريق الرابع عشر من آذار عن المشاركة في الحُكم كأبعد ما يكون عن “أزمة” وطنية، ذلك أن نبض الشارع و”ملل” الناس يحكمان ويوجهان بوصلة الحكومة المقبلة باتجاه الاهتمام بالملفات الاجتماعية والخدماتية.
وفي هذا السياق، لا تشكل تركيبة الحكومة لناحية عدد وزرائها مشكلة لرئيسها المكلف، وإن كان ينطلق من قاعدة تشكيل حكومة من 24 وزيرا، غير أنه لا يمانع في رفع العدد الى ثلاثين بشرط اختيار وزارء من أصحاب الكفاءات، والابتعاد قدر الإمكان عن “الشخصيات الاستفزازية”، وهو قرار ينسجم الى حد بعيد مع الوسطية والإعتدال في المواقف التي يسير عليها ميقاتي، منذ أن دخل عالم السياسة.
ولئن كان الرئيس المكلف قد مدّ يده، منذ اليوم الأول، لقوى الرابع عشر من آذار، وتحديدا لتيار المستقبل، لكن الرفض الذي قوبل به اضطُره الى مواصلة مساعيه ضمن حدود المصلحة الوطنية، من دون الإلتفات الى الاتهامات التي توجّه اليه، كونه قد أدى قسطه للعُلى في محاولته الصادقة تأمين مشاركة جميع الأطراف، ومع ذلك فقد وصلت جهوده الى “باب مسدود”، بحسب رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذي القى باللوم على فريق الثامن من آذار في فشل التوصل الى حل، مع اعترافه ضمنا بأن الرئيس ميقاتي “كان دائما يعلن أطيب الاستعدادات ونيته تشكيل حكومة وفاقية”.
وإن كانت المواقف المُعترضة على عمل ميقاتي تركّز حاليا على وصف حكومته، وقبل تأليفها، بأنها “حكومة لون واحد”، فمن الواضح أن قوى الثامن من آذار لم تستطع أيضا “فرض” إرادتها، بل بات معروفا أن الرئيس المكلف استطاع الى حد كبير، بلمساته الخاصة، التوصل الى رسم المشهد الحكومي كما يراه هو مناسبا، من دون محاباة فريق على حساب اخر. وهو بخطوته الناجحة هذه إنما نجح في أول استحقاق له، بعد الأحداث الأخيرة التي مرّت بها البلاد، في تقديم نفسه كرئيس وزراء نموذجي.
وفي تفاصيل سلة الأسماء المتداول بها، برز بقوة اسم الوزير السابق يعقوب الصرّاف كأحد الوجوه الجديدة – القديمة، فضلا عن ناجي البستاني وعدنان القصّار، علما ان التيار الوطني الحر يبدو متمسكا بوزارئه جبران باسيل وشربل نحاس وفادي عبود، بعد ادائهم الناجح في الحقائب الموكلة اليهم.
كذلك يدور الحديث عن احتمال لتوزير محمد الصفدي وليلى الصلح حمادة كأسماء وسطية، معروفة بانجازاتها في الحقل العام.
ومن المُتوقع أن تُبصر الحكومة اللبنانية الجديدة النور خلال أسبوع، بعد أن وصلت الترتيبات الى مراحلها الأخيرة، مع أن مساعي ميقاتي اصطدمت منتصف الأسبوع ببيان دار الفتوى الذي تبنى عمليا موقف تيار المستقبل فألمح الى “غبن وإقصاء” يتعرض له مكوّن من مكونات الوطن، من دون أن يخوض في مسؤولية الفريق الذي نأى بنفسه عن المشاركة في الُحكم لمجرد أن شخصية غير سعد الحريري كُلفت بتشكيل الحكومة!
ولفت بيان دار الفتوى الى أن “النظام الوطني الديمقراطي لا يجد منافذ للتطور بسبب تفاقم الأطماع باسم طوائف ولمصلحة قوى مهيمنة فيها تعمل على إخضاع الآخرين في تجاوزات للدستور، هدفها دائما التلاعب بالأولويات هذا فضلا عن رفع الصوت بأوهام العدد والحجم، الثابت لدينا تنفيذ الدستور الحالي بنصه وروحه وتطبيق بنوده دون انتقاء”، وتابع أن “الإحساس بالغبن أو الإقصاء عند أي جماعة على المستوى الوطني أو الطائفي يولد نزاعا داخل الطائفة ويقابله تحفّذ داخل جماعة أو أكثر مما يؤدي إلى تهديد الإستقرار الوطني”.
وأفرد البيان حيّزا خاصا لملف المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الحريري، بعد أن تراجعت معركة تيار المستقبل الى حدود الحفاظ على اخر مواقعه عبر التمسك بها، على حساب السلم الأهلي، فشددّ على أن “أي تخلٍ سافر أو مضمر في برنامج عمل الحكومة تجاه المحكمة الدولية يشعر غالبية اللبنانيين بالغلبة والقهر والتخلي عن حقهم بالعدالة”، موضحا ان “طريقة عملية الإسقاط والذرائع التي استخدمت تعيد إلى ذاكرتنا ممارسات خبرناها في مراحل عديدة وهذا الأمر يزيد من شدة الإحتقان بين صفوف اللبنانيين وهكذا تجتمع لدينا عدة مخاوف: الإصرار على الترهيب بالسلاح واستخدامه في السياسة، الإصرار على تجاوز انتخابات 2009 والإصرار على تجاهل إجماعات الحوار، الإصرار على تعطيل العدالة”.
وفي العلاقات مع سوريا، اكد البيان انه “لن نوفر جهدا لتستعيد هذه العلاقات محورها الطبيعي للوصول إلى التكافؤ بالحقوق والواجبات بين الجانبين”، وان “اللبنانيين تعاهدوا على العيش في دولة المواطنة والمساواة وحكم القانون وعدم تعليق ذلك، وهذه الدولة هي دولة الهوية والإنتماء العربيين، وهم يعتبرون هذا الإنتماء إلتزاما مبدئياً”.
في هذه الأثناء، واصل المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار ترتيب ملفاته قبل المُضي قدما في خطوته التالية، فاعتبر، خلال جلسة علنية لغرفة الاستئناف في المحكمة لتحديد مفهوم الارهاب بين القوانين اللبنانية والدولية، ان العناصر المكوّنة لمفهوم العمل الارهابي واردة في القانون اللبناني و”لا ثغرات كي نلجأ الى القانون الدولي”، مشيرا الى أن الجلسة لن تشير الى “اي اسماء او اتهام ورد في القرار الاتهامي وهو سري وقليلة هي الجهات التي اطلعت عليه”.
أما مكتب الدفاع في المحكمة الدولية، فلفت الى ان القرار الاتهامي “لا زال سريا”، مؤكدا ان “مكتبنا لن يحل محل فرق محامي الدفاع”، ووافق على ضرورة تطبيق القانون اللبناني على هذه القضية.
ومن المقرر أن يجتمع قضاة المحكمة لإعلان قرارهم في جلسة علنية تُعقد يوم الأربعاء بتاريخ 16 شباط 2011.
على صعيد اخر، وفي خطوة تحكمها الى حد بعيد التطورات الأخيرة، جمدّت الحكومة الاسرائيلية خطتها للإنسحاب من الشطر اللبناني من قرية الغجر، بحسب ما نقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” عن مسؤول اسرائيلي أعلن أن تجميد خطة الانسحاب جاء نتيجة اسقاط الحكومة اللبنانية والتوترات على خلفية اعداد تقرير الامم المتحدة بشان اغتيال الحريري. واضاف المسؤول: “لن نعطي حزب الله منحا مجانية”.
وكان من المقرر وفقاً للقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء الامني الاسرائيلي المصغر في شهر تشرين الثاني العام الماضي، سحب القوات الاسرائيلية في غضون أسابيع قليلة من شمال قرية الغجر.
Leave a Reply