رغم دخول الثورة المصرية أسبوعها الثالث لم يخرج خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته من المنطقة الرمادية فقد اكتفى أوباما، في الوقت الذي كانت تغلي فيه شوارع القاهرة بعد خطاب حسني مبارك الاستفزازي، بالطلب من النظام المصري إلغاء قانون الطوارئ والحوار مع مجموعة واسعة من قوى المعارضة بشأن مستقبل البلاد، مؤكدا على ضرورة احترام حقوق الشعب المصري وتلبية مطالبه.
وقال في بيان صدر بعد إعلان الرئيس حسني مبارك تفويض نائبه عمر سليمان بصلاحيات رئيس الجمهورية “لقد قيل للشعب المصري إنه حدث تفويض للسلطة، ولكن لم يتضح بعد إن كان هذا الانتقال فوريا وجادا أو كافيا”. وأضاف أوباما في البيان الذي صدر بعد اجتماع عقده مع كبار مستشاريه للأمن القومي وأركان إدارته، أنه “يجب على حكومة مصر أن تقدم مسارا ملموسا جديرا بالثقة نحو الديمقراطية، وأنها لم تنتهز بعد تلك الفرصة”.
كما دعا الحكومة المصرية إلى التحرك سريعا لشرح التغيرات التي أجريت والتي لا توضح الكيفية التي سيتم بها انتقال السلطة.وشدد أوباما في بيانه على ضرورة أن تضع الحكومة المصرية خريطة طريق ذات مصداقية من حيث توضيح كيفية عملية الانتقال الفورية للسلطة، مشيرة إلى أن أوباما سمى لأول مرة قانون الطوارئ وضرورة إلغائه. وكان أوباما قال قبيل إلقاء مبارك خطابه، إن الولايات المتحدة تتابع الأحداث الراهنة في مصر عن كثب، وتنتظر اتضاح الموقف.
وأضاف في كلمة ألقاها في ولاية ميشيغن بمناسبة تطورات الأحداث التي تشهدها مصر حاليا “نشهد تاريخا يتشكل لأن شعب مصر يطالب التغيير”. ونوه أوباما بدور الشباب المصري في حركة التغيير، مؤكدا أنهم “كانوا في الصدارة بالنسبة لقيادة موجة التعبير عن تطلعات الشعب المصري”، وأضاف “إذا ما أردنا أن نمضي قدُما، على المصريين التأكد من دعم الولايات المتحدة للعملية الديمقراطية في مصر”.
سياسة “متعرجة”
ويرى مراقبون أن السياسة الأميركية تعاملت مع ما سمي الثورة المصرية بسياسة “متعرجة” تطرح المزيد من التساؤلات بدلا من إعداد إجابات، ولكن من الثابت أن الولايات المتحدة لا تريد مطالبة مبارك بالتنحي بعد أن قضى في الحكم قرابة ثلاثة عقود.
أحدث تحول في موقف واشنطن إزاء الأزمة في مصر هو أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات التي يجريها نائب الرئيس عمر سليمان مع مجموعات المعارضة المصرية، وهذا شيء خاطئ بحسب تقدير صحيفة “واشنطن بوست” التي رأت أن الهدف الحقيقي لسليمان هو تقييد التغيير الديمقراطي، وليس دفعه.
كما رأت الصحيفة أن أوباما “يقف على الجبهة الخطأ” رغم أنه من المطلوب منه، وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام، أن يقف على الجانب الصحيح للتاريخ.
وتريد الولايات المتحدة من مصر تقييد تصرفات وزارة الداخلية عن طريق إنهاء فوري لاعتقالات ناشطي المجتمع المدني، والسماح بحرية عقد الاجتماعات وحرية التعبير، وإلغاءً فورياً لقانون الطوارئ، وتوسيع المشاركة في الحوار الوطني ليشمل نطاقا عريضا من أعضاء المعارضة، ودعوة المعارضة كشريك في خارطة طريق توضع بشكل مشترك وجدول زمني للمرحلة الانتقالية.
وتكمن أزمة الولايات المتحدة في أنها تريد من ناحية دعم الإرادة الديمقراطية للشعب المصري، ولكنها تخشى في الوقت ذاته من تغيرات جذرية لا تحمد عواقبها إذا انقلبت الأمور في مصر.
ولطالما أكد خبراء مستقلون في واشنطن مخاطر وصول قيادة جديدة للسلطة في مصر، لأن أي قيادة جديدة حقا لن تكون موالية لأميركا مثل مبارك، وربما أدت إلى سياسة أكثر قسوة تجاه إسرائيل.
ورأى مجلس العلاقات الخارجية للدراسات السياسية في واشنطن أن الاحتجاجات المعادية للحكومة في مصر سيكون لها دور أكبر بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، وهو مستقبل لا يمكن أن يكون ورديا بالنسبة للولايات المتحدة.
وقد بدا الأسبوع الماضي أن أوباما تغلب على نفسه وترك مبارك يسقط. فرغم أنه تجنب استخدام كلمة التنحي بشكل مباشر، فإنه -وفي ضوء تظاهر مئات الآلاف من المتظاهرين ضد مبارك في ميدان التحرير وسط القاهرة- طالب بملء فيه بتحول حقيقي في مصر يبدأ “الآن”.
وللتأكد من تحقيق ذلك، فإن مستشاري أوباما شددوا أكثر على هذا المعنى عندما قالوا إن أهم كلمة رئاسية في الوقت الحالي هي “الآن”.
فضيحة ويسنر
وفي سياق السياسة الأميركية المرتبكة إزاء مصر دافعت وزارة الخارجية الأميركية عن المبعوث الأميركي إلى مصر فرانك ويسنر رغم عمله لمصلحة شركة استشارات تمثل المصالح المصرية، قائلة “إنها كانت تدرك ذلك وتم اختياره بسبب تميزه كدبلوماسي”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي إن الوزارة كانت على علم بالجهة التي يعمل لمصلحتها، و”نحن ندرك أيضا أنه دبلوماسي متميز وسفير سابق لدى مصر، ورأينا أنه في موضع فريد لإجراء هذا النوع من المحادثات التي رأينا أنها ضرورية مع مصر”.
وكانت صحيفة “إندبندنت” البريطانية كشفت أن ويسنر يعمل لدى شركة “باتون بوغز” للاستشارات القانونية في نيويورك وواشنطن التي تقدم خدمات للحكومة المصرية، وأن لديه مصالح في مصر.
وعاد كراولي لينأى بالحكومة الأميركية عن تصريحات ويسنر الذي رأى ضرورة لبقاء الرئيس حسني مبارك في سدة الرئاسة حتى نهاية ولايته، وقال إن تصريحاته تمثل آراءه ولا تعكس رأي الحكومة الأميركية.
كما قال كراولي إنه سيكون من الصعب إجراء انتخابات خلال 60 يوما كما ينص الدستور المصري إذا استقال مبارك الآن.
من جهته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إن وزارة الخارجية اختارت ويسنر بسبب خبرته في السياسة المصرية، وهو ليس موظفا حكومياً.
وكان روبرت فيسك قد كتب في صحيفة “الإندبندنت” حول الحرج الذي وقع فيه البيت الأبيض عندما حثّ ويسنر على بقاء الرئيس المصري حسني مبارك في السلطة قائلا إن “استمرار الرئيس مبارك في السلطة أمر ملح.. وإنها لفرصته ليكتب تاريخه”.
تصريحات ويسنر أصابت المعارضة الديمقراطية المصرية بالدهشة ووضعت الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون موضع شك في عيون المصريين. ولكن وزارة الخارجية الأميركية ومن بعدها ويسنر نفسه سارعا إلى إعلان أن تصريحاته لا تمثل الإدارة الأميركية وأن السيد ويسنر كان يتكلم “بصفته الشخصية”. ويقول فيسك “ويسنر خدم في سلك الدبلوماسية الأميركية 36 عاما عاصر فيها ثمانية رؤساء أميركيين وخدم سفيرا في عدة بلدان منها مصر. ومن الصعب أن يصدق المرء أن كلينتون لم تكن تعرف أن ويسنر يعمل في مؤسسة لها علاقة عمل بالدكتاتور، الذي يدافع عنه ويسنر في وجه معارضة ديمقراطية عارمة في مصر”.
Leave a Reply