اختار كتابا من المكتبة العامة وراح يقلّب صفحاته. لم يشده ما جاء في الكتاب بقدر ما شدته الملاحظات المكتوبة بقلم رصاص على هوامش بعض الصفحات. أدرك من خلال قراءتها أن كاتبها إنسان مرهف الحس ودمث الأخلاق. شعر بالغبطة عندما قرأ اسمها مكتوبا على غلافه. كانت السيدة التي تبرعت للمكتبة العامة بالكتاب.
في بيته، راح يبحث عن اسمها في دليل الهاتف حتى عثر عليه. كتب لها رسالة. وبدأت بينهما علاقة دافئة توطدت عبر الرسائل. وفي إحدى المرات، استدعي للخدمة العسكرية وغادر أميركا متوجها إلى إحدى القواعد العسكرية التي كانت تشارك في الحر ب العالمية الثانية.
بعد عام عاد، واستأنف علاقته معها ومن خلال رسائلها، تخيل بأنها في مقتبل العمر وتوقع أن تكون في غاية الجمال. اتفقا على موعد لتزوره في الولاية حيث يعيش، وبناء على ذلك الموعد راح في الوقت المحدد لينتظرها في محطة القطار القريب من محل إقامته.
وقف جان في المحطة مزهوا ببدلته العسكرية الأنيقة وأخذ يراقب وجوه الناس القادمين الواحد تلو الآخر. شعر بأن ثواني الانتظار التي مرت كانت أياما.
وراح يتفرس في وجه كل مسافر على حدة، لمحها قادمة باتجاهه بقامتها الرشيقة وشعرها الأشقر ووجها الجميل. وقال في نفسه: يا إلهي ما أجملها! تماماً كما كنت أتخيلها.
شعر بقشعريرة باردة تسللت الى قلبه ومفاصله، لكنه استجمع قواه واقترب صوبها مبتسما وملوحا بيده. كاد يغمى عليه عندما مرت من جانبه وتجاوزته. ولا حظ خلفها سيدة في حوالي الخمسين من عمرها. امتد الشيب ليغطي رأسها وبعض التجاعيد تبدو على محياها، وقد وضعت وردة حمراء على صدرها، تماما كما وعدته حبيبته أن تفعل.
شعر بخيبة كبيرة. وقال في نفسه: يا إلهي لقد أخطأت الظن! توقعت بأن تكون الفتاة الشابة الجميلة والتي تجاوزتني هي الحبيبة التي انتظرتها أكثر من عام، لأفاجأ بسيدة بعمر أمي وقد كذبت عليّ!
أخفى مشاعره. وقرر في الحال أن يكون لطيفا معها لأنها ولمدة عام، وبينما كانت رحى الحرب دائرة، بعثت الأمل في قلبه على أن يبقى حيا.
بقي محافظا على رباطة جأشه. حياها بأدب ومدّ يده مصافحا: أهلا.. أنا الضابط جان! وأتوقع بأنك أنت السيدة ميرال..
وفي داخله كان يحدث نفسه، إن لم يكن من أجل الحب، فلتكن صداقة! ثم أشار إلى المطعم الذي يقع قرب زاوية المحطة قائلا: تفضلي كي نتناول طعام الغداء معا.
فردت السيدة: يا بني أنا لست السيدة ميرال، ولا أعرف شيئاً عما بينكما. وتابعت قائلة: قبيل أن يصل القطار إلى المحطة، اقتربت مني تلك الشابة الجميلة والتي ترتدي معطفا أخضر، والتي مرت بقربك منذ لحظات، وأعطتني وردة حمراء لأضعها على صدري وقالت لي: سيقابلك شخص في المحطة وسيظن بأنك أنا. إذا كان لطيفا معك ودعاك الى الغداء، قولي له بأني انتظره في ذلك المطعم، وإن لم يدعوك فاتركيه وشأنه.
عانقها بشدة شاكرا، وجرى باتجاه المطعم!
Leave a Reply