أسس السيد حسن نصر الله لنظرية “إذا” العسكرية، فمنذ اليوم الأول لانتهاء حرب تموز 2006، يقابل كل تهديد اسرائيلي بمفاجأة مقرونة بـ”إذا”. هذه الـ”إذا” صارت علامة خاصة بالسيد الذي تدرج في مواقفه من خطاب الصواريخ في يوم “النصر الإلهي” الى وعيد تدمير الفرق العشرة، فالمعادلة البحرية ثم تطوير نظرية المبنى بالمبنى، حتى خطابه الأخير، الاربعاء الماضي، حين أعلن صراحة ان المقاومة على استعداد لاحتلال شمالي أراضي فلسطين المحتلة في أي حرب مقبلة.
ولئن شكلت معادلة السيد الأخيرة رداً مباشراً على وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك حين تحدث عن اجتياح لبنان مجددا، فإن أول من سعى لامتصاص “معادلة الجليل” كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فعكست سرعة الردّ، شدة تلمّس المؤسستين العسكرية والامنية في تل أبيب لحجم تداعيات كلام نصر الله.
الآن، بعد ان صار اجتياح شمالي فلسطين المحتلة هدفا مركزيا في أي مواجهة مفترضة، بات بالإمكان رسم مشهد هذه العملية، من خلال عشرات التقارير والدراسات الاسرائيلية والأميركية، مع العلم ان الكلام عن حرب مفترضة لا يعني بالضرورة نشوب الحرب في القريب، بل هو محاولة استشراف سيناريو عسكري.
فالصورة، استنادا لمراكز أبحاث ومواقع وفصليات اميركية واسرائيلية، كما يلي:
ما ان يُعلن السيد نصر الله البدء في تنفيذ الخطط الدفاعية ويعلن التعبئة العامة في صفوف “حزب الله” والسرايا اللبنانية، ردا على بدء الجيش الاسرائيلي بعدوان جديد، حتى تباشر جميع الوحدات القتالية في المقاومة تطبيق ما تدربت عليه طوال سنوات، ومن ضمن التطبيقات الرد على حشد الجيش الاسرائيلي قواته البرية عند الجبهة الشمالية، حيث يتقدم عشرات الآلاف من المشاة الاسرائيليين على 6 محاور في جنوب لبنان (في مشهد شبيه باجتياح العام 1982 ولكن بصورة أوسع) بموازاة عشرات الانزالات الجوية حتى شمال لبنان، وانزالات بحرية على طول الساحل وصولا الى العاصمة بيروت.
في هذه المرحلة تحديدا، تتولى قوات خاصة من الحزب تنفيذ هجوم مضاد مفاجئ للسيطرة على شمال “اسرائيل”، على النحو الآتي:
– المحور الأول: مجموعات تتقدم عبر نقطة الناقورة، إلى مسافة سبعة كيلومترات، وتقوم بالاستيلاء على مدينة نهاريا، التي يقطنها حوالى 55 ألف إسرائيلي. ستحاول مجموعات “حزب الله” في هذا المحور بالتأكيد احتجاز اكبر عدد من الرهائن الاسرائيليين، بهدف ردع القوات المعادية من استعادة المدينة وشن حرب نفسية واقعية على الجبهة الداخلية.
– المحور الثاني: مجموعات تتقدم باتجاه المنطقة الواقعة جنوب شرق الناقورة إلى مسافة 300 متر بحيث تستولي على مدينة شلومي الإسرائيلية، والتي يقطنها نحو 6500 إسرائيلي. وبالاستيلاء على “شلومي”، يكون “حزب الله” قد أكمل السيطرة على الطريق الرئيسي، بما يتيح لوحداته اعتراض أي حركة للقوات الإسرائيلية التي ستحاول التقدم لاسترداد مدينة نهاريا، وعلى وجه الخصوص القوات الإسرائيلية القادمة من القواعد العسكرية التابعة للقيادة الشمالية الإسرائيلية، والموجودة في منطقة الجليل والجليل الأعلى تحديدا.
– المحور الثالث: مجموعات تتقدم جنوبا في العمق، وتصل إلى الشمال من مدينة الكرمل. بجانب الطريق السريع رقم 85، الذي يصل “عكا” على ساحل البحر بمدينة صفد في مرتفعات الجليل.
الهدف من انتشار مجموعات المقاومة في هذا المحور هو الحصول على موقع متقدم والاستفادة من دعم السكان المحليين بتحريك العرب داخل إسرائيل، وبالعمل على بناء وتفعيل حركة عمل سري واسعة تشمل العرب الموجودين في مناطق: سخنين – عرابة – ديرحانا، والتنسيق مع خلايا ناشطة في الضفة الغربية، فضلا عن اقامة درع متقدم يوفر الحماية المتقدمة لوحدات “حزب الله” المتمركزة في نهاريا وشلومي، وعرقلة حركة القوات الإسرائيلية من الوسط إلى الشمال.
نجاح مجموعات هذا المحور في تنفيذ الخطة المفترضة يرغم القوات الإسرائيلية على التركيز على معالجة المواجهات في المناطق القريبة من وسط إسرائيل، وهو أمر سوف يخفف الضغط على مجموعات المقاومة المسيطرة على نهاريا وشلومي.
– المحور الرابع: مجموعات تتقدم من بلدة حولا، إلى داخل وادي قاديش، الواقع عند حدود مستوطنتي يفتاح ونفتالي، الآهلتين بالإسرائيليين. وبمجرد سقوط هذه المنطقة، تكون وحدات “حزب الله” الخاصة قد صارت قادرة على استخدام نيران مباشرة تطال وسط اسرائيل وجنوبها بسهولة تامة، من دون أن يعني هذه التطور التقليل من القدرة الصاروخية العاملة طوال مراحل الحرب انطلاقا من الخطوط الخلفية داخل الأراضي اللبنانية.
على امتداد المحاور، ستدور اشتباكات عنيفة من مسافات قريبة، يرافقها قصف صاروخي ومدفعي متواصل بين الطرفين على مستوى الداخل، على أن يواكب سلاح الجو الإسرائيلي القوات البرية التي تتقدم بدورها على المحاور كافة في جنوب لبنان، من خلال الإجراءات التالية:
– المقاتلات الحربية تشكل دوائر في الجو تحلق باستمرار فوق البحر للإغارة على أي هدف.
– رصد جوي، واستطلاع طولي ودائري لمسرح العمليات البرية، من قبل طائرات “الأواكس” والطائرات المسيرة من دون طيار، التي تنقل الصور الجوية لمجريات المعارك مباشرة إلى غرف التحكم والسيطرة المركزية والميدانية.
– مشاركة نوعية لطائرات من دون طيار حديثة مجهزة بصواريخ جو – أرض، ومسلحة برشاش متوسط أوتوماتيكي يقوم برمايات من الجو خلال الاشتباكات البرية.
– تحليق طائرات تجسسية صغيرة الحجم على علو منخفض، تُطلق وتسيّر من قبل جندي المشاة، وتتلقى الأوامر مباشرة من قبل قائد الكتيبة أو السرية، علما أن الجيش الإسرائيلي اختبر فعلا هذا التكتيك في حربه الأخيرة على غزة.
– المروحيات الهجومية من طرازي “أباتشي” و”كوبرا”، تقوم بعمليات إسناد وتأمين للمدرعات والمشاة على السواء.
في هذه الأثناء، يواصل عناصر وحدة الدفاع الجوي في “حزب الله” التصدي للطائرات الإسرائيلية على أنواعها؛ فيضطر الطيران المروحي والتجسسي الاسرائيلي الى التحليق على علو مرتفع.
في الجهة المقابلة أيضا، سيقوم عناصر من وحدة “ياشمام” التابعة للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية برصد واستطلاع نار المدفعية وتصحيح أهدافها.
سلاح المدفعية الاسرائيلية سوف يستخدم تكتيكا جديدا يتمثل في تقدم آليات مدرعة، نُصبت عليها مدافع متحركة منحنية ومباشرة، لتنفيذ عمليات إسناد قريب لقوات المشاة، من دون ان تنجح في تلافي صواريخ المقاومة المضادة للدروع بأجيالها المختلفة.
فور انجاز “ياشمام” لمهمتها، سيتقدم سلاح المدرعات الاسرائيلي من مختلف المحاور وفقا لمجموعة اجراءات:
– قوات خاصة من وحدة “بالسار 7” تنفذ دوريات استطلاع متقدمة لصالح ألوية المدرعات.
– توغل مجموعات استخبارية عسكرية مجهزة بصواريخ ضد الدروع، لحماية المدرعات المتقدمة، والتصدي للصواريخ المضادة للدروع من قبل “حزب الله”.
– جرافات عسكرية مدرعة من طراز “دي 9″، تتولى فتح طرق جديدة، وإقامة سواتر ترابية عالية، لتفادي الصواريخ الموجهة والعبوات الناسفة.
– قوات من وحدة “بابل” ووحدة “ياشصاب”، التابعتين لسلاح الهندسة، تقوم بتنظيف الطرق التي تسلكها المدرعات من الألغام المضادة للدروع والنسفيات الكبيرة، التي زرعتها وحدة الهندسة في “حزب الله”.
– بعد القيام بهذه الإجراءات التأمينية، أرتال من دبابات “الميركافا -4″، تتقدم على مختلف المحاور، في ظل تغطية دخانية كثيفة، وإجراء عمليات دعم متقابل في ما بينها.
هذه الاجراءات لا تعطل بالكامل قدرة مجموعات المقاومة المسلحة بصواريخ ضد الدروع والنسفيات المزروعة على إعاقة تقدم المدرعات، علما ان العامل المعنوي سيشكل العنصر الوازن في ترجيح كفة الطرف الرابح في المواجهة البرية، بحسب آراء معظم الخبراء.
في هذا السياق أيضا، تستكمل فرق المشاة الاسرائيلية تقدمها على مختلف المحاور وسط مجموعة اجراءات منها:
– حماية جوية من قبل الطائرات الحربية والمروحيات الهجومية والطائرات من دون طيار المسلحة.
– إسناد وغطاء مدفعي وصاروخي قريب وبعيد. تستخدم قوات المشاة منظومة “بوليم زعزوعيم” (ممتص الصدمات) الحديثة، وهي منظومة متنقلة محمولة على ظهر جندي المشاة، وهدفها حماية الجنود من الصواريخ الموجهة، حيث تقوم برصد هذه الصواريخ ثم تحول مسارها عن الهدف.
– ناقلات جند مدرعة من طراز “نمير” تنقل جنود المشاة إلى مناطق الاشتباك.
– العمليات العسكرية والمعارك البرية تخضع لإشراف مباشر وقيادة ميدانية من قبل قادة الأولية والكتائب.
– قوات من وحدة “ياعل” في سلاح الهندسة تتولى استهداف وتفجير الاستحكامات والأنفاق الخاصة بـ”حزب الله” باستخدام تقنيات جديدة منها “الأفعى الإلكترونية المفخخة”.
– الجيش الاسرائيلي يبتكر تكتيكا نوعيا في تأمين الدعم اللوجستي لجنود المشاة باعتماده اللامركزية والأسلوب المباشر على مستوى الكتائب والسرايا.
– السلاح الطبي يتولى إسعاف الجرحى بواسطة آليات اسعاف مدرعة وطائرات مروحية.
غير أن جميع هذه الإجراءات لسلاحي المشاة والمدرعات ستواجهها المقاومة بالاستناد الى تكتيكات لا مركزية، ضمن تشكيلات قتالية صغيرة عالية التدريب، ومجهزة بأنواع مختلفة من الأسلحة الرشاشة والصاروخية، ومنتشرة في بقع جغرافية مكتفية التجهيز واللوجستيك، وتتمتع باستقلالية ومرونة في إدارة المعارك والتحكم والسيطرة.
وفي حين يتولى ضباط اميركيون الاشراف على خطط الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تتولى نقل مستوطنين من الشمال الى الوسط والجنوب، تستكمل قوات “حزب الله” الخاصة تقدمها حتى مشارف بحيرة طبريا، مدعومة بتحرك خلايا فلسطينية في أراضي عرب 48.
بالتأكيد انه في ساحات الحرب لا يمكن تطبيق الفرضيات والخطط العسكرية النظرية، ولكنّ السيناريو أعلاه يقارب الى حد بعيد اجراءات منطقية، من دون أن يستبعد عنصر الميدان بمفاجآته الكثيرة. ويبقى استشراف نتيجة أي سيناريو عسكري رهنا بما تخفيه المقاومة، مع الإشارة الى ان هذا البحث لم يتطرق الى الاحتمال “الوارد جدا” باضطرار اسرائيل في أي مواجهة مقبلة الى توزيع قواتها على أكثر من جبهة.
Leave a Reply