كان فيكتور بيانكا، أحد الأعضاء الدائمين في مجلس النواب الفرنسي في أواسط القرن التاسع عشر، يقوم بجولة انتخابية في إحدى الدول الافريقية التابعة لحكومة فرنسا، متفقدا رعاياه الافريقيين هناك ومتحدثا عن الروابط الودية المتينة بين الناخب والنائب والمسلوب والسالب، والإنسان الافريقي وزعيمه المحبوب، داعيا إياهم إلى الشعور بالمسؤولية والارتفاع الى مستوى الحدث الواقع وهو إعادة انتخابه نائبا عنهم وممثلا لهم في مجلس النواب الفرنسي الجديد حيث يمكنه مواصلة نشاطه لخدمتهم والتضحية بالغالي والرخيص من أجل مصالحهم وحمايتهم.
بعدما تجمع حوله عدد كبير من هؤلاء الرعايا الأفارقة، وقف بينهم يخطب بهمة وحماسة، وبادئ ذي بدء، أخذ يشتم خصومه ويلعن معارضيه. وراح يميل برأسه يمينا وشمالا لجذب اهتمامهم وشد أبصارهم إليه وهو يحرك يديه بعصبية وانفعال، ليظهر كل ما عنده من محبة وعطف نحو ناخبيه الأعزاء مذكرا إياهم بما أنجزه لهم في السابق، ومسهبا في الحديث عما يعدّه لهم من أسباب العيش الكريم في الزمن القادم، محرضا إياهم على قول كلمتهم بشجاعة، فينتخبونه هو، ولا أحد سواه.
وكانوا كلما هو ازداد حماسة واندفاعا، يزدادون هم تصديقا واقتناعا، ويقتربون منه ويلتفون حوله وحواليه. وظلوا على هذه الحال إلى أن صار النائب “بيانكا” خطيبا ورمزا يتوقد حماسة ورغبة في التضحية وفداء نفسه وعمره في سبيل رعاياه.
تعاظم إعجاب الرعايا بهذا الخطيب الفصيح وكلامه الموعود لإصلاح العيوب. أحاطوا به إحاطة الزنار لخصر الفتاة الجميلة النحيلة. وكان أنصاره ومؤيدوه أكثر هؤلاء الأفارقة تأثرا وإعجابا، وعلى طريقتهم الموروثة في افريقيا، راحوا يعبرون عن تأثرهم بنائبهم المهيوب الحبّوب، حتى اشتد بهم التأثر والإعجاب وانقضوا عليه بقفزة واحدة والسلام. أكلوه!!
والآن عزيزي القارئ.. ما رأيك لو تتخيل معي أن يحذو ناسنا في الشرق هذا الأسلوب في التعبير عن إعجابهم بزعمائهم ونوابهم ممن تفيض لديهم حمى الوطنية ويتمزقون حماسا واندفاعا ورغبة في الإصلاح والتقويم وخدمة الوطن والمواطنين؟ قد يكون هذا الأسلوب أفضل وأنجع في القضاء على الديكتاتوريات المزمنة المتعفنة والتخلص من كل النواب والأحزاب القليلي الذمة والوافري الصحة والعافية لسلب الشعب لقمة عيشه.
وما ألطف أن يفيض غرام الجوزات بأجوازهن، ونحن على أبواب عيد الفلانتاين، وفي أزمة الغلاء والبلاء هذه التي تغرق الدنيا فيها، واللي ما حدا قادر يشتري هدية مرتبة لبعلته، فتطبق مبدأ هذا الحب حتى الأكل على جوزها غاصب عمرها كلو؟
والأجمل حتى التمني، أن يعبر نواب وزعماء ورعاة الوطن الصغير الجميل لبنان عن إعجابهم الشديد وغرامهم الأكيد به، فيأكلوه، فيموتوا هم من التخمة… ويحيا لبنان!!
Leave a Reply