لعل أكثر الصور المعبرة عن ثورة الشعب العربي التي تستدر الدمع حقاً في المقل (الدمع الحقيقي لا دموع السنيورة التمساحية)، إضافةً إلى صور الشهداء، مشهد المواطن التونسي على قناة “الجزيرة” وهو يمسح على رأسه الذي غزاه الشيب ويقول “لقد هرمنا”، ثم مشهد تونسي آخر معمر وهو يكرر كلمة “القصاص”!
هاتان العبارتان تختصران أسباب التحولات النوعية في العالم العربي اليوم الذي يشهد زلزالاً ثورياً عظيماً طال انتظاره ضد أعتى دكتاتوريات مجرمة سافلة حكمت بالظلم والجبروت من دون إعطاء أدنى فسحة أملٍ أوحرية. فقد هرمنا وكبرنا في ظل هكذا أنظمة طاغوتية فهب الشعب العربي، الذي فاق صبره صبر أيوب، طالباً القصاص العادل لهؤلاء الحكام بعد أن سدوا في وجهه الآفاق وعاثوا في الأرض فساداً! كل حكام العرب الرجعيين سيأتيهم الدور وتدورعليهم الدوائر. لكن، أجمل شعور إعترانا في كل هذه الإنتفاضات الشعبية، هي تلك التي بدأت ضد المهووس الإرهابي دكتاتور ليبيا. وإن شاء الله لايخرج هذا العدد للطباعة إلا ويكون المجرم المنحط معمر القذافي قد رحل عن الدنيا ملاقياً أسوأ من مصير موسوليني في إيطاليا وتشاوشيسكو في رومانيا أوحتى مصير هتلر في ألمانيا.
هذاالمأفون الزنيم الذي يحكم ليبيا منذ ٤١ عاماً لم نكشف دوره منذ اليوم، بل كشفناه منذ أيام ما يسمى عز “سلطته الثورية” عندما كان يوزع أمواله على تنظيمات “الحركة الوطنجية” في “شبه الكيان” اللبناني في السبعينيات وعندما إرتكب جريمة العصر بضلوعه في تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر، المفكر الإسلامي الرائد في العصر الحديث، ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدرالدين. لاحظوا أنه بسبب عدم معاقبة المجرم المجنون على هذه الجريمة، إزداد الخط البياني لجرائمه المهولة الأخرى أولها سرقة ثروة ليبيا النفطية البالغة ٢٠٠ مليار دولار بينما شعبه لا يجد ما يسد رمقه ما خلا الشعارات القذافية الفارغة الخشبية التي عفا عليها الزمن، هذه الثروة التي بذرها مع ابنائه الملعونين الأغبياء أتاحت له شراء الذمم والضمائر ومنهم الفاسد اللعوب رئيس وزراء إيطاليا المافيوي برلسكوني، وإقتراف كل أنواع الموبقات والمحرمات. لقد بلغ به الجنون والصلف والإستهتار بحياة الناس درجة أنه علق ثوار “الإخوان المسلمين”، الذين انتفضوا عليه في الثمانينيات، على المشانق لعدة اسابيع حتى تعفنت جثثهم، وإلى قتل كل المعارضين في الخارج بعد أن وصمهم بأنهم “كلابٌ ضالة”. لقد وصلت به الهلوسة إلى درجة أنه بعد أن سمع خبراً غير مؤكد بأن إبن خالته الضابط حسين اشكال يحرض بعض ضباط الجيش عليه، ذهب إلى بيته وأطلق عليه النار من مسدسه فأرداه أمام عائلته. لم يحدث في التاريخ الحديث أو القديم، قيام نظام بالهجوم على شعبه الأعزل بالطائرات الحربية فيقتل منهم حتى الآن أكثر من عشرة آلاف حسب التقارير الغربية، متفوقاً في إجرامه على صدام حسين نفسه، ومن وقتها بدأ العد العكسي لنظام القذافي رغم تملقه وارتهانه للغرب ورشيه له بخمسة مليارات دولار ثمن جريمة “لوكربي” التي أمر بتنفيذها بنفسه.
لقد تضاربت الأنباء حول مصير الإمام الصدر وبدأت التسريبات تأتي من زبانية نظامه السابق بعد أن أغلقوا أفواههم طيلة ٣٢ عاما، مما جعل أحبة الإمام يشعرون كأنهم في “رولركوستر” من العواطف الجياشة والشوق إليه والتعلق بـ”حبال الهواء” متأملين أن يكون سماحته حيٌ يرزق ويفك أسره كما فك أسر سامي شهاب في مصر، مع الفرق الكبير في أن قضية الإمام أكثر تعقيداً.
لقد صمت العالم طويلاًعلى إجرام القذافي الخنوص وخصوصاً على جريمة اخفاء الإمام الصدر ولم يسارع إلى تأليف المحاكم الدولية كما فعل في لبنان، حتى بعد المجازر التي قام بها الجزار السفاح ضد شعبه وإطلاق المرتزقة الأفارقة المجرمين المسعورين للفتك بالمدنيين لم يقدم العالم شيئاً يذكر. وكم كان بائساً موقف الجامعة العربية وهي تعلق عضوية ليبيا من دون أن تقدم غير معسول الكلام لإنقاذ الشعب الليبي من الجلاد المعتوه، شأنها في ذلك شأن الأمم المتحدة التي تحركت في السابق لحماية ساحل العاج، لكنها لا تكترث اليوم لإبادة الشعب الليبي. ذلك أن السفاح القذافي الذي يحضر للحرب الأهلية وفناء البلد من أجل بقائه في الحكم، قد يستعمل ما تبقى لديه من أسلحة كيماوية كما فعل صدام حسين. لكن هذا المختل إنتهى وعرشه لن يبقى وذلك ببركة الإمام الصدر الذي له مكرمة عند رب العالمين وبما أن المجرم القاتل القذافي ينحدرمن قرية في ليبيا اسمها “جهنم” فإنه سيؤول إلى جهنم وبئس المصير.
Leave a Reply