“الجزيرة” تعمل بأجندة مشبوهة! تلك الكلمة كانت تستفزنا للدفاع عن الصوت الحر الذي ينقل الخبر بشفافية، والذي ينقل الهموم الشعبية العربية والاسلامية، والمناصر للقضايا الحرة في العالم العربي والاسلامي، وبالاخص قضية الشعب الفلسطيني، والمقاومات العربية والاسلامية .
وهكذا “كانت” الخبر الاول والخبر المنتظر بالصورة والصوت، وكنا نستاء ونشجب حين يتعرض مراسلوها لاي اعتداء او تعرض، او اغلاق هوائها عن الاقمار الصناعية.
وكنا نحترم العمل المهني الإعلامي الشريف والنظيف، الذي تقوم به معجبين بمهنيتها وحريتها وخصوصا الرأي والرأي الآخر. وننتظر برامجها بابعادها المهنية، مستنكرين مقولة انها تهدف إلى أحداث الفرقة بين أبناء الشعب العربي، وبين البلدان العربية. او تواطئها مع اجندات محددة لتقويض الشعور القومي العربي.
تابعناها من حرب افغانستان الى احتلال العراق، نتأمل في الصورة والخبر معجبين بالحضور المميز للاعلام العربي عبر فضائية “الجزيرة”، وتغطيتها لاخبار المقاومة البطولية في لبنان وفلسطين، وزاد اعجابنا بها تغطيتها لحركة الثورات العربية في تونس ومصر وبعض الدول العربية ودورها في ايصال الحقيقة بموضوعية.
الا ان سيدة الاعلام العربي “الجزيرة” التي كنا نحترم ونعتز بها، تنكشف في نقلها لاحداث الانتفاضة الشعبية لاصلاح النظام في جزيرة البحرين، وخلافا لما تعودناه من موضوعية نسبية في نقل الاحداث وما فيها من مجازر بحق المتظاهرين البحرانيين المدنيين العزل من قبل قناتنا المحببة نسجل ما يلي:
إن من بديهيات وقواعد العمل الإعلامي الشريف والنظيف والموضوعي وجود أبعاد مهنية وأخلاقية وثقافية وإنسانية ليصل الخبر لكل الناس بأبهى صورة .
ان عدم موضوعية النقل الحقيقي والموضوعي للاحداث هو عمل غير بريء، فضلا عن انه غير مهني ومتواطىء مع طرف ولصالح طرف على طرف اخر. وهذا يؤدي الى تضييع حقوق طرف، وتشويه كل ما هو جميل فيه، ويضيع جهد وتضحيات هذا الطرف وقضاياه المحقة.
ففي البحرين ثورة شبابية لها مطالب محقة، باطلاق الحريات العامة والمشاركة السياسية وتحسين ظروف حياة المواطنين، من ايدي نظام ملكي، يحكم البلد وكأنها ملكية خاصة منذ اربعين عام هو وعائلته، ومواطنيه عبيد للملك ومملوكين له، وهو اقبح واظلم وقمعي اكثر من مبارك ومن بن علي ومن القذافي وغيرهم من الحكام العرب.
ومن يشاهد شاشة “الجزيرة” اتجاه احداث البحرين، ينسى صورتها في ثورتي مصر وتونس، تلك الصورة المشرقة، لتحل محلها صورة شاشة شوهاء عوراء، ترى بعين وتغلق عينا اخرى، استنسابا او تواطؤا او دورا اخر او تعليمات اخرى، وشاشة بعيدة عن الشفافية والمصداقية في تناول انتفاضة البحرين، ومادة إعلامية غير متوازنة. واراء موجهة لطرف دون الطرف الاخر. في حين يفترض ان تكون المادة الاعلامية على الاقل تتناول وجهات النظر كافة ليحكم عليها الجمهور والمشاهد .
ان شعوب الأمة العربية وشبابها الناهض والمقاوم يواجه تحديات كبيرة مع العالم والانظمة، ويحتاج لإعلام يقف في صفه وينتصر لقضاياه، ولا يكون أداة بيد الانظمة والحكام الظالمين. خاصة ان هؤلاء الشباب لا يملكون اعلاما يطلون من خلاله على الجمهور في وقت جميعنا يعرف ان الانظمة تمتلك وسائل اعلام توجهها ضدهم.
الاعلام الشريف لا يجب ان يكون في يد لون دون باقي الالوان، وان لا يكون في خدمة لون على حساب بقية الالوان، حتى لا يثير الاحباط والتشاؤمية والتمزق، كما انه لا يجب ان يكون طائفيا او اثنيا، لأن هكذا اعلام يكون محرضا مرفوضا ويخفي اجندات تريد تمزيق الشعور القومي العربي، مهما يكن بياض الثوب الذي يرتديه هذا الاعلام.. لان الحقيقة تبقى الحقيقة.
فالعدو هو الصهيوني، ومواجهته تحتاج الى اعادة التضامن العربي والاسلامي، بعيدا عن الحكام الظالمين، والملوك والامراء والرؤساء الملكيين الذين يسعون الى تمزيق الامة وتشرذمها، وتحالف الشعوب العربية مع الاعلام الشريف للتحرر من الحكام الظالمين، يؤدي الى اللحمة العربية والقومية، في حين ان تلاحم الحكام مع الاعلام المأجور ضد الشعوب المستضعفة والشباب الثائر يؤدي الى التشرذم والتمزق ضمن القطرية الضيقة والصراعات العرقية والاثنية والطائفية.
ولقناة “الجزيرة” التي نحترم، ان تناصر الصف العربي والاسلامي والشعوب الثائرة والمتطلعة نحو التحرر، لانها تألقت ونجحت في ثورة مصر وثورة تونس وسقطت في امتحان ثورة الجزيرة “البحرين”.
حقوقي لبناني
باحث في شرق المتوسط للدراسات والاعلام
Leave a Reply