“ثورة البحرين”: النظام يعتمد خطاباً ناعماً.. ويتصلب
المنامة – لم يكن الأسبوع الماضي طبيعياً في البحرين، فقد شهدت شوارع العاصمة المنامة تظاهرات كانت الأكبر في تاريخ البلاد رفعت شعارين، الأول ذو السقف العالي “الشعب يريد إسقاط النظام” والثاني، وهو الحد الأدنى “استقالة الحكومة وقيام ملكية دستورية”. وحاولت معظم وسائل الإعلام العالمية التغاضي عن الشعار الأول بما فيها “الجزيرة” رغم أنه كان الطاغي ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال موقع “يوتيوب” الذي كان المعبر الأساسي عن نبض الشارع البحريني بغياب وسائل الإعلام الكبرى عن هذا المطلب. أما الشعار الثاني فلم تجد هذه الوسائل، بالنظر الى كثافة التظاهرات، سبيلاً سوى الإضاءة عليه مع “خلطه” بـ”الانقسام الطائفي” و”الأجندات الأجنبية”.
ولكن على أرض الواقع البحريني دخلت البحرين في أزمة مفتوحة، بعدما قالت الحكومة إنها ترفض أي شروط مسبقة، وأعلن رئيسها خليفة بن سلمان آل خليفة الموجود في منصبه منذ أكثر من أربعين عاما (رقم قياسي)، عن “عزم لا يلين على مواصلة العمل من أجل الحفاظ على ما حققناه”، فيما أبدت المعارضة البحرينية استعدادها للحوار مع جبهة الموالاة، لكنها جددت تمسكها بإقالة الحكومة في مرحلة أولى.
أما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فبدت كالمراقب لحسن تنفيذ ما ضغطت على السلطة البحرينية لإجرائه من خطوات تهدئة بعد فضيحة “ليلة قمع اعتصام دوار اللؤلؤة”. وقالت كلينتون للصحافيين في واشنطن “هذه الخطوات يجب أن تتبعها أفعال وإصلاحات ملموسة”. وأضافت “نحن نحث كل الاطراف على العمل سريعا حتى يتمخض الحوار الوطني عن إجراءات جدية تستجيب للطموحات المشروعة لكل شعب البحرين”. وحذرت حكومة البحرين من “انه لا مجال للعنف في مواجهة محتجين مسالمين”.
وفيما واصل المعتصمون في دوار اللؤلؤة طوال الأسبوع الماضي، قال مسؤول بحريني إن الحوار الذي دعا اليه ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة “مرهون بموافقة المعارضة على الدخول فيه من دون شروط مسبقة”، وأضاف أن الحوار “سيبدأ مع المعارضة فور موافقتها على الدخول فيه”، معتبرا “أن وضع شروط مسبقة للدخول في حوار أمر غير مقبول لا في البحرين ولا في أي مكان”.
أما النائب عن كتلة الوفاق النيابية المنسحبة خليل مرزوق، فاعتبر ان بقاء الحكومة مشكلة كبيرة بالنسبة للمعارضة، ويشكل عائقا أمام بدء الحوار. وقال “ما جرى من صدامات وقتل للمتظاهرين تتحمل مسؤوليته هذه الحكومة، إضافة الى إخفاقاتها السابقة تنمويا ومعيشيا”. وأضاف “حتى قبل الازمة الحالية، أخفقت الحكومة في أداء مهمتها تنمويا ومعيشيا، والمشكلات التي يعانيها المواطنون بقيت”. وتابع المرزوق قائلا “اذا كانت هناك جدية للحوار، فإن من المفترض أن تتغير هذه الحكومة”.
لكن المعارضة أعربت في الوقت نفسه عن استعدادها للقاء “تجمع الوحدة الوطنية” الذي يضم شخصيات موالية تطالب في الوقت نفسه بإصلاحات سياسية. وقالت الجمعيات المعارضة في بيان أصدرته بعد لقاء تشاوري “أعربت الجمعيات عن استعداها للقاء مع جميع القوى السياسية الشعبية التي خرجت منها دعوات لإصلاحات جوهرية في النظام السياسي مثل تلك التي جاءت في خطبة الشيخ عبد اللطيف المحمود في التجمع الجماهيري الكبير بمسجد الفاتح”. واعتبرت هذه الجمعيات أن الحوار يجب أن يقوم على “أسس واضحة”، مضيفة أن هذه الأسس “لم يُذكر أي منها في دعوة ولي العهد للحوار”.
وأفرجت السلطات البحرينية عن 23 ناشطا معارضا متهمين بالسعي لإطاحة الملكية، ضمن ما قالت الحكومة إنهم 308 سجناء أفرج عنهم بناء على عفو ملكي. وقالت الحكومة في بيان ان “جميع الذين يزعمون انهم تعرضوا لمعاملة سيئة ستتصل بهم الوزارة ليذكروا بالتفصيل مزاعمهم المحددة دون ان يحدد البيان اسم الوزارة”.
أحد السجناء الثلاثة والعشرين المفرج عنهم قال انه وآخرين تعرضوا للتعذيب. وقال علي عبد الإمام وهو مدون بحريني من المحررين ان السلطات قامت في الاسبوع الاول من اعتقالهم بتعذيبهم لاستخراج معلومات وأنه ذات مرة تعين عليه ان يقف لمدة خمسة ايام. وقال محامي الناشطين الـ23 محمد التاجر انه لم يتضح ان كانوا قد حصلوا على عفو ملكي أو ان كان بالامكان تجديد القضية. وقال ان كان هذا مجرد تجميد للاتهامات فإنه بإمكانهم تقديم القضية مرة اخرى أو توجيه اتهامات اخرى. وأضاف انهم ينتظرون صدور بيان رسمي. ورحب زعماء المعارضة بالإفراج عن سجناء. وقال النائب عن جمعية الوفاق إبراهيم مطر ان السماح للناس بالاحتجاج وإطلاق سراح السجناء خطوات إيجابية. وقال ان الجماعات المعارضة تنتظر من الاسرة الحاكمة قبول مبدأ الملكية الدستورية قبل الدخول في حوار.
التظاهر
وكانت المعارضة البحرينية قد اغتنمت، فرصة قيادتها تظاهرة ضخمة في المنامة الثلاثاء الماضي، لتعلن عن موقفها من دعوة النظام إلى الحوار، في صيغة وسطية لا ترفع سقفها إلى حد المطالبة بـ”اسقاط النظام” ولا تقبل الدخول في حوار غير مضمون مع السلطة التي تعلن اليوم تفاصيل قرارها الإفراج عن معتقلين سياسيين. وهو قرار أشادت به واشنطن التي تتجه بحسب تقرير إعلامي أميركي إلى تعزيز علاقتها بالمعارضة البحرينية خوفا من تراجع نفوذها في البلاد إذا تحققت مطالب الإصلاح.
وكانت وكالة الانباء السعودية قلت ان الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة زار السعودية، بالتزامن مع عودة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، فيما اعلن رئيس اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايكل مولن في ختام محادثات اجراها مع قادة قطر والامارات ان حركات الاحتجاج في العالم العربي تثير “قلقا كبيرا” لدى قادة الخليج الذين يريدون ايجاد “حل ايجابي” لها.
وتظاهر عشرات الآلاف من البحرينيين المعارضين في مسيرة ضخمة في المنامة بدعوة من المعارضة لإحياء ذكرى الشهداء الذين قتلتهم قوات الأمن والجيش (مع إشارة شهود عيان الى تدخل قوى أجنبية). وامتدت الحشود الضخمة على حوالي ثلاثة كيلومترات في وسط المنامة في شارع رئيسي يؤدي الى دوار اللؤلؤة حيث يعتصم المطالبون بالتغيير، وهو المكان الذي تحول الى رمز للاحتجاجات التي تشهدها البحرين واسفرت عن مقتل سبعة اشخاص حتى الآن.
وانضم الآلاف من المتظاهرين الى المسيرة عبر الشوارع التي تؤدي الى شارع المسيرة. وسارت التظاهرة وانتهت بسلاسة في ظل غياب لقوى الامن تماشيا مع قرار ولي العهد بسحب القوى الامنية من مناطق التظاهر.
Leave a Reply