سمع التاريخ المقابلة الكوميدية التي أجرتها إحدى القنوات الأميركانية وانفردت بلقاء امبراطور افريقيا وسائر بلاد المغرب. أحب التاريخ أن يسجل تلك المقابلة خصوصا عندما صرّح مدمر جماهيريته وقاذفها بالموت والنار وادعى بأن جماهيره تحبه وعلى استعداد لتحميه بالروح والدم!
سأل التاريخ ملك ملوك العالم: وأنت هل تحب شعبك؟ فأجاب العقيد: أعلم أن الحياة قصيرة وأن جماهيري تتعذب، لذلك أعجل بموتهم، ولأني أحبهم، أضعهم في غرفة العناية الفائقة، وأنا ملاكهم الحارس أطلب لهم الرحمة، لذا سوف أوقف الأوكسجين عن خياشيمهم، بعدما غرزت في شرايينهم خطاباتي الثورية وحقنتهم بمورفين من الشعارات والنظريات.
لدي فائض من الجماهير لذا أقوم بتصديره الى الخارج والباقي أستعمله للاستهلاك المحلي وللتسلية ما بين الزنازين والمقابر. أحتاج الى حرب طويلة أو معركة مقدسة.. لا فرق بين عربي أو افريقي، اريد أن أتخلص من هذا الكم البشري. سوف أجعل أطفالهم شحاذين ومتسولين أو جنود مرتزقة. لا فرق عندي. ما يعنيني هو أن أراهم في شاحنات نقل خارجي أو في بواخر. فأنا لا أحب الطائرات!
اسمع أيها التاريخ. محوت الحدود وحولت مياه “النهر العظيم” الى دماء وأغرقت الشواطئ بالتوابيت بدل المراكب وأشعلت ثروتي من النفط في الهواء وحولت الواحات الى صحارى وزرعت مكان النخيل نياشيني ومقاطع من كتابي الأخضر.
منذ أربعين سنة وأنا ألعب بالزمن كما أريد. تعبت. الآن أولادي السبعة، بعيون الشيطان، يساعدونني على اللعب بهذه الجماهير الجاحدة، لذلك أنا وأولادي نسعى لنشيد لهم أبراجا من الجماجم ولكن بهندسة عربية حيث نعمل من عظامهم قناطر وزخارف من دم وتعذيب.
ولأني أحبهم أيضا وأيضا، صارت جماهيري كلها نزلاء عندي ورجالي ومرتزقتي في خدمتهم، نوفر توصيل الخدمات الى المنازل، من قصف وتدمير حتى القضاء عليهم جميعا فيرتاحون من هذه الدنيا وعذابها.
يا عزيزي التاريخ: انتبه واسمع جيدا ولا تلعب معي. أريدك أن تكون شاهدا وتنصف أقوالي وأعمالي وما أقدمه لبني قومي: هذه بلادي الواسعة أقرؤها كجريدة قديمة وارميها في أقرب سلة للمهملات. لا أحد يناقشني. فأنا لسان الجماهير وآذانها. أنا صوتها وحنجرتها. أنا جهازها العصبي وجهازها التنفسي. أنا رأس الجماهيرية وقلبها. أنا معدة الجماهيرية.. والبلاد كلها مرحاضي. أنا بحاجة اليك لتدونني. خلدني الى جوار كل الظالمين السفاكين الأشرار. اجعلني الى جوار نيرون وهتلر وستالين وكل الطغاة الأحياء منهم والأموات الذين عرفتهم في دربك.
أنا الآن أجلس في خيمتي ذات الفضاء المفتوح تتصارع في رأسي الأفكار والرؤى والنظريات، كما قال زميلي المبدع المرحوم، المتنبي: على قلق كأن الريح تحتي/ أوجهها يمينا أو شمالا.
ألا يكفي الجماهير أني تبرعت بكل ريع كتبي وقصصي لصندوق الضمان الاجتماعي في الجماهيرية العظمى، وتركت لأولادي المساكين فقط ريع النفط؟
لماذا تريد الجماهير مني الآن أن أرحل؟ لست أنا قيس المجذوب لأترك ليلى وأرحل. لا أعرف لماذا رأى أبو ليلى في قيس خطرا على ابنته، مع أن قيسا مثلي مجنون وأهبل. كل ما هناك أنه شاعر أراد الهاما لشعره فاتخذ من ليلى ملهمة له، تماما مثلما أنا اتخذت هؤلاء الجماهير الجرذان، ولو اقترب قيس وتزوجها لمات كمدا كما يموت المتزوجون من أمثالي، فليلى في نهاية المطاف ليست شبه حارساتي. يذكرني جبروت أبو ليلى بجبروت هؤلاء الرعاع الذين انقلبوا ضدي ويريدون طردي بهذه الطريقة المهينة ويقولون لي: ارحل!
بمرارة ابتسم التاريخ وسأله: حب إيه اللي انت جاي تقول عليه؟ ومنحه وسام الدكتاتور الأول والمهرج المدهش على “الفيسبوك”. عندها بكى المجنون من الفرح.
Leave a Reply