كم كانت مضحكة تلك التظاهرة المتأخرة ستين عاماً التي انطلقت في “شبه الكيان” مطالبةً بإسقاط النظام الطائفي. لقد أخطأ الشباب بالعنوان على ما يبدو. فبعد أن تنغم الشعراء والأدباء طويلاً بوطن النجوم (وطن النجوم أنا هنا، حدق أتعرف من أنا؟) وبأن “مجد لبنان أعطي له” أي مجد فينيقيا العرقي التابع للطائفة المالكة فقط، وبأن لبنان وطن الحريات والديمقراطية (أي توأم إسرائيل الروحي وليس بالمشاركة الديمقراطية فقط وللاستيضاح اسألوا حزب الكتائب)، تأخر هذا النظام المعاق عن ركوب موجة الثورات الشبايبة العربية التي تعم حالياً الأنظمة الديكتاتورية المتخلفة. لقد فقد الكيان اللبناني “ميزته”، إن كان له ميزة غير ميزة الطائفية العنصرية والديمقراطية المزيفة التي تنخر في عظمه منذ بدعة “الإستقلال” بعد أن عرته الثورات الشعبية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسلطنة عمان والأردن والبحرين والجزائر والمغرب وغداً في ممالك وأنظمة طاغوتية أخرى. لقد تبين أن النظام الطائفي في لبنان هو من أكثر الأنظمة رجعيةً وتخلفاً وبالتالي يصعب إصلاحه إذا لم يقتلع من جذوره بكل تاريخه المزيف المتعدد الروايات حسب كل طائفة ومدارسها ومستشرقيها ومؤرخيها.
فالشباب في لبنان لا حظ له، والذي لا حظ له لا يشقى ولا يتعب. فالشباب العرب إنتفضوا على رمزٍ معين، دكتاتور أو طاغية حكم البلد بعد أن جعلها ملكاً له ولعائلته على حساب الشعب الفقير، أما في وطن الغرائب والعجائب فشعار إسقاط النظام الطائفي شعار وهمي غير متجسد، عدا عن أن تحقيقه من عاشر المستحيلات لأن طبيعة النظام الذي ولد ولادةً قيصريةً على يد القابلة غير الشرعية الجنرال غورو في ٣١ آب ١٩٢٠بعد إقتطاع أجزاء غالية من سوريا وفلسطين ليكون كياناً قائماً بذاته للموارنة، بني على أساس الطائفية السياسية وعلى التوازنات الإقليمية فكان ميزان الهزات السياسية العالمية ومسرحها واسفنجة إمتصاص الأزمات الإقليمية وكان نظام خدمات و”كامبردور” ووكر مخابرات العالم.
إلغاء الطائفية السياسية ليس مطلباً جديداً لكن الطائفية هي أوكسجين النظام المهترىء المتحجر القائم على الكوتا المذهبية (٦و٦ مكرر وهذه أسوأ معادلة في التاريخ) وعلى الفساد والرشاوى والمال السياسي والنهب والسلب وما زالت سرقة السنيورة لأحد عشر مليار دولاراً ماثلة في الأذهان. ١١ملياراً يا كرام وليس ١١مليوناً، أين يحصل هذا في أي دولة في العالم؟ في لبنان كل شيء ممكن فالسنيورة احتمى بالطائفة متمترساً في السراي ومحولاً إياها إلى مسجد بفضل القباني الذي رد له التحية لاحقاً بحمايته من “ملف الفساد” في دار الفتوى بعد إثارة الرئيسين كرامي والحص لهذا الملف. إلغاء الطائفية أصبح نصاً أساسياً في “وثيقة الطائف” الذي يقدسه جماعة “١٤ آذار” طبعاً ما عدا إلغاء الطائفية. لذا فعندما أعلن عن تأسيس “الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية” حسب نص الدستور قامت الدنيا ولم تقعد. فكيف سيرتزق ساسة لبنان بعد الإلغاء؟
ولمعرفة مدى تغلغل الطائفية في “شبه الكيان” يكفي أن ننظر اليوم إلى أكبر عملية شحن طائفي فتنوي حاقد تقوم بها فرقة “الدنيا هيك” من أجل أن تحشد تظاهرة في ساحة الشهداء تعد أكثر من الجمهور الضئيل العدد الذي حضر مهرجان “البيال” في ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد أن فترت الهمة بسبب أخطاء “١٤ آذار”، وبعد أن تسربت أسرار “ويكيليكس” وقناة “الجديد” التي بينت “معدن” وقماشة محسوبكم سعد. على أن نكتة العصر التي لا تضاهيها نكتة هي أن “جماعة الدروندي” قد الهمت الثورات الشبابية العربية في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وغيرها مع أن حسني مبارك كان العراب لـ”قرطة حنيكر” وعمر سليمان كان صديقهم كما كان الرجل المفضل عند زعماء إسرائيل. تصوروا أن سمير جعجع، صاحب السجل العدلي مثل الذهب، قد كان القدوة والمثل الأعلى لجيل الشباب العربي؟ إلا أن الأخطر في كل ما تقترفه جمعية دفن الموتى هذه، هو تصويبها على سلاح المقاومة من منظار طائفي من أجل مكاسب آنية رخيصة وبعد أن نزع زعيمها سعد الطائر (الذي لم يعد يطير هذه الأيام وخصوصاً إلى السعودية) القفازات وأعلن أنه لن ينافق بعد اليوم. ففي كلمته البالغة إلى الشعب اللبناني المتضمنة ٨ فقرات ذكر كلمة السلاح أكثر من ٣٠ مرة بينما كلمة “الحقيقة” لم يذكرها إلا مرة واحدة! هذا السلاح الذي أعطى لهم ولغيرهم الكرامة والعزة بعد الذل والمهانة يريدون نزعه، لكن ليس السلاح هو المشكلة، بل المقاومة والممانعة هي القضية وهي التي حققت المعجزة وجعلت الأجيال الصاعدة في العالم العربي تثور وتشعر بقوة ارادتها. سمعت حديثاً لمسؤول حاجز البربارة، أنطوان زهرة (في خيالي) يقول فيه أن مجرد بقاء المقاومة والنظام السوري هو مؤامرة إسرائيلية! فعلاً أن أكرمت اللئيم تمردا، كما قال المتنبي وعلى الشباب في لبنان أن يغيروا شعارهم من الآن فصاعداً إلى “الشعب يريد إسقاط اللئام”!
Leave a Reply