ها هو موعد تظاهرة يوم الغضب قد حان وأزفت لحظته فأنطلقت جموع المتظاهرين العراقيين الذين حاولت جهات عدة من أحزاب السلطة الحاكمة في المنطقة الخضراء ومرجعيات دينية، وشخصيات برلمانية أن تثنيها عن الخروج. وما يثير العجب كل العجب أن تذهب أركان الحكومة وعلى رأسها المالكي إلى مناشدة المواطنين بعدم الخروج لغرض التظاهر بدعوى الريبة التي تكتنف التظاهرة، وكأنه يعيدنا إلى الرجع البعيد المنتمي إلى المنطق البوليسي في دولة المنظمة السرية، بينما يحلو له التبجح في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية بالتفاخر بالديمقراطية التي ينعم بها العراق.
واليوم فقط عبرت حكومة المالكي عن ما تضمره للمواطن العراقي فالتغني بشعارات الحرية والديمقراطية ليس سوى سفسطة دعائية بهدف الإستهلاك الإعلامي، فالدولة الديمقراطية الحقة، من بديهيات مُسّلماتها الإيمان بحق التظاهر السلمي، بينما الصورة اليوم تتحدث عن نفسها، عبر تجليات مختلفة منها حملة الإعتقالات التي طالت عدداً من أهل الثقافة والأدب والصحافة، فضلا عن إستخدام الرصاص الحي أثناء التظاهرات والذي قتل ثلاثة عشر مواطناً عراقياً وأوقع عدداً من الجرحى!
وبالطبع هذه هي الديمقراطية التي يؤمن بها المالكي وبطانته التي حاولت سحب شرعية التظاهرات عبر وصمها بالثلاثية المعروفة (الصدامية والبعثية والتكفيرية) تلك الفزاعة التي لم يجد المالكي والمقربون منه بُدا من ترديدها وقت الأزمات السياسية والأمنية في محاولة لتبرير فشلهم الإداري لمؤسسات الدولة التي أصبحت مجرد وسيلة لنهبهم وسرقاتهم، بينما نشاهد بالصورة والصوت شرائح تتظاهر أغلبها من الشباب الذين ضاقوا ذرعا ً من إنعدام فرص العمل والخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية، فأدركوا أن لا مستقبل لهم مع إستشراء الفساد الإداري والمالي الذي يعد السبب الرئيسي لمجمل مشكلات العراق في الوقت الراهن. وترجم ذلك الهاجس عبر الشعارات التي كانوا يرددونها أثناء التظاهرة، ومن خلال اليافطات التي كتبت عليها الشعارات المنددة بالأداء الفاشل للحكومة العراقية فمطالب الشعب أختزلت في إحدى الشعارات التي حملتها عجوز عراقية والتي تقول “الشعب يريد إصلاح النظام”.
وبعد كل هذه المشاهد التي أثبتت براءة المتظاهرين مما نسب إليهم من إتهامات باطلة، ماذا بوسع حكومة المحاصصة أن تقول بعد أن سطرت فصلا ً جديدا ً في إنتهاكات حقوق الإنسان وهي التي تتغنى بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية؟ ما الفرق إذن بينها وبين أي حكومة من حكومات المنطقة لا تحكم وفق مبدأ الديمقراطية؟ وما معنى الإعتقالات وإستخدام الرصاص الحي وسقوط ضحايا ضمن ممارسة يكفلها دستور العراق الجديد؟ وما معنى أن تمنع سيارات البث الفضائي من التواجد في أمكنة التظاهرات؟
لقد عكست كل تلك الإجراءات التي أقدمت حكومة المالكي على تتفيذها حقيقة واحدة فقط وهي أنها حكومة لا تعنيها الديمقراطية بقدر ما يعنيها حجم حصتها من التمثيل داخل مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة الاخرى، والدليل على ذلك مساحة التمدد الذي أصاب ذلك المجلس الذي وصلت عدد حقائبه إلى أكثر من أربعين وزارة، ويعتبر هذا الرقم الأعلى في مختلف دول العالم، فلم يصادف أن وجدنا أن مجلس وزراء في دولة ما وصل عدد وزارئه إلى هذا الرقم ما يلقي على عاتق حكومة المحاصصة المتمددة بهدف كسب المزيد من المغانم المزيد من المسؤوليات على شتى الصعد التي تمس حياة المواطن العراقي.
ويمكن القول أن هذه الحكومة سقطت مع دخولها أول إمتحان في الديمقراطية وهو تظاهرة يوم الغضب 25 من شباط (فبراير) وإنها أول من خرق الدستور عبر توجيه قواتها الأمنية بالتصدي للمتظاهرين من خلال العنف وإستخدام النيران. ومهما حاولت تلك الحكومة أن تواري الحقائق بإبعاد عدسات كاميرات التلفزة من نقل الحدث لإخفاء حالة الغضب المستشري بين جموع المتظاهرين تحت حجج واهية فإنها لا يمكنها ذلك ونحن نعيش في عالم وسائل الاتصال الرقمية، والديجيتال. نعم لقد وصلت صورة الحدث وتفاصليها عبر وسائل الاتصال الحديثة التي أضحت البديل عن آلية البث الفضائي، وأهم من ذلك كله أن شعبنا اليوم قال كلمته إزاء تلك الحكومة بعيدا عن أي إصطفاف طائفي أو مذهبي إبتدعه ساسة المنطقة الخضراء ليكون هو رأس مال تجارتهم الفاسدة فالجميع من الشمال الى الجنوب قالها وبصوت عال: لا للفساد و”نفط الشعب مو للشعب بس للحرامية”.
إذن شعبنا واحد ومتحد في هواجسه و أحلامه ومطالبه وهو أكبر من جميع تجار السياسة والطائفية.
Leave a Reply