من تونس إلى طرابلس، مروراً بالقاهرة وغيرها من عواصمنا؛ كان المشهد ( وما زال) جميلاً. بلدان تخرج على ظالميها، تخرج لتُحَقَّ الحق وتُزهِق َالباطل، تخرج على الطاغوت وأزلامه، تقدم الدم.. وتقطف الحرية.
إنه مشهد جليل الوقع ذكرنا فيه البوعزيزي بالشاعر خليل حاوي الذي إنتحر ليلة إجتياح بيروت إحتجاجاً. ذكرنا بجبران تويني وجورج حاوي وموسى الصدر وحسن خالد. لكن بيروت غابت عن عمادة الدم هذه.
بيروت بكل ما تختزله؛ بحربها الاهلية، بصحفها ومثقفيها، بحاناتها ودور العبادة، بصليبها وهلالها، بعليها وعُمرها..
بالحرية الفائضة في حاراتها وأزقتها، ظلت تتفرج من بعيد على ثورات الياسمين، وهي لم تتوج حتى وصيفة رابعة في أعراس الحرية حوله.
كان من المفروض أن تشتعل شرارة الثورة العربية من بيروت.
بيروت التي كانت ولا زالت تنزل إلى الشارع لأي سببٍ كان؛ غابت عن مشروع الحرية العربية التي كانت يوماً من رواده؛ وعلقت عوضاً عنه في أزقة مشاريعها الصغيرة التي صنعها لها أربابها الصغار. هذا إذا إستثنينا المظاهرة الخجولة التي خرجت يوم الأحد للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي؛ للمطالبة بحق دماء الآلاف الذين سقطوا ضحيته، للمطالبة بحق كفله الدستور وتؤكد حق الإنسان بالوجود والمواطنة بعيداً عن عرقه ولونه وطائفته.
كان من المفروض أن تخرج بيروت لتكفر بكل آلهة الطوائف التي قدمت أزكى الدماء على مذابحهم؛ لتكفر بمن قدَّم مصلحته الشخصية تحت إسم الدين على مصلحة أبنائها، لتكفر بمن دفعها للكفر حين بدأت بعباد ته عوضاً عن رب الأرباب..
تكفر.. ولتكفر.. ولتكفر.
من الممكن أن لا تصل أصوات المحتجين إلى أسماع آلهة بيروت، ومن الممكن أن لا يعي أهل بيروت حجم المصيبة التي نخرتهم حتى العظم، وأصبحت الطائفية بديلاً عن محمد وعيسى؛ أو في أحسن الأحوال بديلاً عن لبنان. ومن الممكن أن تكون هذه الشرارة الأولى لإنهاء عبث الطائفية من قبل شباب ضاقوا ذرعاً بآلهة بيروت وأصبح رغيف الخبز همهم الأول.
ولكن ما هو أكيد أن طعم الطائفية كالعلقم، وأن العيش في ترف الحرية الجوفاء ما هو إلا كوعد إبليس بالجنة، وأن بيروت لنا جميعا..
أعيدوها لنا!
Leave a Reply