إسرائيل تستغل مقتل خمسة مستوطنين لتشن “حرب استيطان” وقمع في الضفة
رام الله، غزة – بعد غيابها عن مسرح الأحداث عادت فلسطين الى الواجهة خلال الأسبوع الماضي بسلسلة من التطورات، كان أبرزها بشائر حلحلة الانقسام الفلسطيني (“فتح” و”حماس”)، بعدما أطلق الشباب حركة احتجاجية في شوارع غزة والضفة الغربية تحت شعار “الشعب يريد إنهاء الانقسام”، أما التطور البارز الآخر، والذي سبق الحركة الشبابية، كان استغلال إسرائيل لمقتل خمسة مستوطنين في الضفة الغربية، مطلع الأسبوع الماضي، لتشن حرباً شرسة على الفلسطينيين اتخذت أشكالاً متعددة، بدءاً بالمصادقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية، مروراً بتكثيف حملات الاعتقال، وصولاً إلى تصعيد وتيرة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين الآمنين، بالرغم من أن لا شيء حتى الساعة يثبت أن منفذ العملية فلسطيني، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل قامت بعمليات عسكرية ضد قطاع غزة استشهد خلالها مقاومون فلسطينيون.
عباس وهنية.. وإنهاء الانقسام
أبدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استعداده ليزور “غداً” غزة التي لم يدخلها منذ نحو أربع سنوات، في استجابة مباشرة لدعوة وجهها إليه رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. وقال عباس في لقاء بالمجلس المركزي لـمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله “أنا مستعد للقاء هنية لطي صفحة الانقسام الأسود البغيض، تحت رعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرهم”.
وطلب من هنية الترتيب للزيارة بالتنسيق مع الفصائل والقوى الفلسطينية، وهو ما بدأه الأخير، إذ اجتمع بقيادات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومن الحكومة المقالة.
وأضاف عباس أنه لن يزور غزة، التي تسيطر عليها “حماس” منذ حزيران (يونيو) 2007، للحوار بل لـ”الاتفاق على تشكيل حكومة تكون من أولويات مهامها إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.. لأنني أريد تسليم الأمانة وأنا مطمئن البال”. وأبدى أمله في تشكيل حكومة من شخصيات وطنية مستقلة تحضر فورا لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خلال ستة أشهر أو في أقرب وقت ممكن.
كما أكد أنه لن يترشح مجددا لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، وهي تسمية قرّر هنية في خطوة لافتة أن يضفيها عليه في الدعوة التي وجهها إليه، وهو الذي طالما شككت حركته “حماس” في شرعية رئاسة السلطة، بحجة أن الأراضي الفلسطينية لم تعرف انتخابات منذ 2006.
كذلك استعمل عباس الذي ينتمي إلى حركة التحرير الفلسطينية (فتح) لغة تصالحية عندما أقر بأن فترته انتهت، وإن ذكر أيضا بأن فترة البرلمان (الذي تملك فيه “حماس” الأغلبية) قد انتهت أيضا.
وقالت حماس على لسان عضو مكتبها السياسي صلاح البردويل إنها ترحب بتوجه عباس هذا، وترى خطابه ردا إيجابيا على مبادرة هنية.
وجاءت مبادرة هنية وترحيب عباس بها بعيد مظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف في مدينة غزة، طالبت بإنهاء الانقسام، وإن انتهت على وقعه تحديدا. فقد حدثت اشتباكات بين بعض المتظاهرين، وجهت إلى حماس تهمة إثارتها، وهو ما نفته الحركة.
إسرائيل.. والذريعة
من جهة أخرى، صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 400 وحدة سكنية داخل مستوطنات في الضفة الغربية، في قرار برره المسؤولون الإسرائيليون بأنه كـ”رد فعل” على مقتل خمسة إسرائيليين في مستوطنة “ايتامار” قرب نابلس بهجوم نفذه رجل كان مسلحاً بسكين.
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراؤه بأصابع الاتهام مباشرة الى السلطة الفلسطينية، معتبرين أن الحادث ناتج عن “التحريض الممنهج من قبل السلطة”. وقال نتنياهو “نشهد أموراً فظيعة. ونحن نعرف على سبيل المثال انه ستتم تسمية مباراة لكرة القدم في مناطق السلطة الفلسطينية بـ”كأس دلال المغربي”، وذلك على شرف إرهابية انتحارية قتلت وجرحت العشرات في القدس. نرى، للأسف، السلطة وهي تعطي منحاً لأسر القتلة، ونشهد تسمية الساحات على أسماء الإرهابيين الذين قتلوا عشرات الإسرائيليين. هذه الأمور تتعارض مع التربية على السلام”.
وأضاف نتنياهو، الذي تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن “التحريض الفلسطيني الرسمي ضد إسرائيل، والذي يمتد في بعض الأحيان الى معاداة السامية، جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة في السلطة الفلسطينية. هكذا ترسل رسائل معادية لإسرائيل في وسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية والخاصة وفي الخطب في المساجد وفي المدارس”.
من جهته، قال وزير الداخلية الإسرائيلي ايلي يشاي انه “لا يجب الاكتفاء ببناء 400 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية، بل بناء 5 آلاف وحدة، أي بمعدل ألف وحدة لكل من القتلى الخمسة”، مضيفاً ان “الفلسطينيين لا يرغبون في السلام، وأننا نضع رؤوسنا في الرمال مثل النعام في الوقت الذي تحرض السلطة الفلسطينية على القتل”.
بدوره، اعتبر رئيس حزب “البيت اليهودي” الوزير دانيال هوشكوفيتش أن “البناء في الضفة الغربية يجب أن يكون ضمن سياسة إسرائيل الثابتة”، داعياً المجتمع الدولي إلى “نبذ الفلسطينيين الذين يربون في المدارس على التحريض والقتل بدلا من إعطائهم دولة”.
وهدد جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ”تصفية الحساب” مع “القتلة” الذين نفذوا هجوم “ايتمار”. ونقلت صحف إسرائيلية تصريحات لضباط بارزين قالوا إن “الجيش لن يهدأ له بال حتى يلقي القبض على قتلة الأطفال”، فيما شدد وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك على أن “القبضة الحديدية” للجيش الإسرائيلي والشاباك ستنهال على الجناة، مضيفاً أنه “سيتم إلقاء القبض عليهم وسيقدمون للعدالة ويدفعون الثمن”.
وأعلن جيش الاحتلال قرية عورتا، القريبة من مستوطنة “ايتمار” والعديد من قرى نابلس منطقة عسكرية مغلقة، فيما شنت قواته حملات اعتقال طالت عشرات الفلسطينيين. وقامت قوات من الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) بتمشيط شمال الضفة الغربية. وأشار الجيش الإسرائيلي في بيان إلى أنه جرى تركيز عمليــات التفتيش حول قرية عورتا ومستوطنة “إيتمار”، فيما تم نشر تعزيزات عسكرية وأمنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
جاء ذلك في وقت صعّد المستوطنون هجماتهم ضد الفلسطينيين، حيث سجل عشرات الاعتداءات في الضفة الغربية نفذها مستوطنون ضد الفلسطينيين بحماية من جيش الاحتلال.
غموض الحادث
وما زال الغموض يكتنف حادث مقتل المستوطنين الخمسة في الوقت الذي لم تعلن فيه أي جهة أو فصيل فلسطيني مسؤوليته عن الحادث سوى جماعة أطلقت على نفسها اسم “كتائب شهداء الأقصى – مجموعة الشهيد عماد مغنية”.
ونفت حركة “حماس” أي صلة لها بالهجوم، مشيرة إلى أنها لا تستبعد “خلفيات جنائية” للحادث. وحذرت الحكومة الفلسطينية المقالة من استغلال إسرائيل للهجوم لتبرير عمل عدواني على غزة، مشيرة إلى أنه “في الوقت الذي نفت فيه المقاومة الفلسطينية وحركة حماس علاقتها بعملية ايتمار فإننا لا نستبعد ان تكون خلفية جنائية وراء الحادث”.
من جهتها، اعتبرت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ان الهجوم “رد طبيعي” على العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، من دون أن تتبنى الهجوم. وقال المتحدث باسم سرايا القدس أبو احمد إن “العملية الفدائية رد طبيعي للمقاومة على الاعتداءات الصهيونية”، لكنه شدد على أنه “لا يوجد أي تبن للعملية من قبل حركة الجهاد”.
وأدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض الهجوم. وقال عباس “إننا نرفض وندين كافة أعمال العنف الموجهة إلى المدنيين مهما كان مصدرها وأسبابها”، مضيفا أن “العنف لن يولد سوى العنف” وأن “المطلوب هو الإسراع بإيجاد حل عادل وشامل للصراع”. وأدانت الولايات المتحدة ما أسمته “الهجوم الإرهابي”، واصفة إياه بأنه “جريمة بشعة”. واعتبر البيت الأبيض، في بيان، أنه “لا يوجد مبرر لقتل والدين وأطفالهما في منزلهم”، مضيفاً “ندعو السلطة الفلسطينية إلى إدانة هذا الهجوم الإرهابي بكل وضوح ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة البشعة”.
كذلك، أدانت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط “بأشد العبارات” الهجوم، معتبرة أن “الهجمات على كل المدنيين في كل الظروف غير مقبولة”. وعبرت اللجنة عن ارتياحها لـ”الإدانة الحازمة لهذا الهجوم” من قبل السلطة الفلسطينية، مشددة على “ضرورة تسريع الجهود لانجاح سلام اسرائيلي فلسطيني وإسرائيلي عربي”.
Leave a Reply