أثبتت الثورات العربية -الناجزة في تونس ومصر، والمستمرة في ليبيا واليمن والبحرين، والحديثة في بعض البلدان العربية الأخرى- بما لايدع مجالاً للشك، أن حماية الشعوب العربية لا تتطلب فقط قرارات أممية ومحاكم دولية، بل هي أيضاً بحاجة إلى أرادات، إنسانية وأخلاقية، لإعلان البلدان العربية “محميات بشرية” بسبب ما تعرضت له، على مدى عقود، وماتزال، من قمع ممنهج وسلب مبرمج واضطهاد منظم من قبل حفنة من الحكام المستأثرين بالسلطة. وأثبتت الثورات نفسها أن الشعوب العربية بكل مكوناتها، العرقية والدينية والمذهبية، هي عائلة واحدة، وأن الحكام بكل أشكالهم هم عائلة واحدة أيضاً، لذلك كان من الطبيعي أن يناصر العرب جميعهم كل الثورات المشتعلة على الأرض العربية، وليس من المستغرب في هذا السياق تواطؤ الأنظمة العربية وتحالفها، المعلن أو الخفي، للصمود في وجه العاصفة!
وما تتعرض له الثورة البحرينية من مؤامرات إقليمة ودولية وإعلامية يندرج بشكل واضح ضمن تحالف الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج العربي التي تتربع منذ زمان طويل على عرشي السلطة والمال. فما تقوم به “قناة الجزيرة الفضائية” من “متابعة” تفضيلية، وتغطية إعلامية انتقائية وملفترة، يثير لدى الإعلاميين والمراقبين ومشاهدي القناة تساؤلات كثيرة وعلامات استفهام تضع “ميثاق الشرف الإعلامي” وشعارها المهني “الرأي والرأي الآخر” (التي وضعته قناة الجزيرة نفسها) على المحك، ويعرضها مصداقيتها للسقوط.
أما قيام بلدان “مجلس التعاون الخليجي” بإرسال قوات عسكرية لمساندة النظام الحاكم في البحرين تحت إسم ما بات يعرف بـ”درع الجزيرة”، بدعوى وجود اتفاقيات دفاع مشترك بين بلدان المجلس، فليس أكثر من محاولة خبيثة لتغطية العوامل المذهبية والنعرات الطائفية التي يتم إثارتها على الدوام، والتي وصلت إلى درجة وصف الثورة البحرينية بالعمالة، وارتباطها بأجندة خارجية، إيرانية تحديداً.
ولا أحد عاقلاً يصدق مثل تلك الدعاوى، فمعروف للقاصي والداني أن اتفاقات الدفاع المشترك تلزم الأطراف الموقعة عليها بالتعاون في حال وجود اعتداء خارجي على إحدى الدول. ومعروف بالبداهة أن اتفاقات الدفاع المشتركة هي لحماية الحدود والسيادة، وليس لحماية الأنظمة. وواضح.. أن البحرين لا تتعرض لأي هجوم خارجي، ما يفضح هذه الكذبة، مع يقيننا أن البحرين لو تعرضت لاعتداء خارجي لما وجدنا أياً من تلك الدول، وعلى رأسها السعودية، لتجرؤ على صد العدوان.
الثورة البحرينية هي توأم الثورات العربية الأخرى، المصرية والتونسية واليمنية وغيرها، وهي ثورة مطلبية عادلة، إضافة إلى كونها ثورة سياسية عادلة بامتياز، وتتبنى نفس الشعارات الثورية التي رفعت في القاهرة وتونس العاصمة وصنعاء، فما هو ذنب البحرانيين إذا كان معظمهم من الشيعة، ومتى كانت عدالة الثورات تقاس على أديان ومذاهب أصحابها، وإلى متى يستمر قتل البحرانيين والتنكيل بهم وتجاهل قضيتهم العادلة؟..
نعرف أن معظم الشعوب العربية هم إلى جانب أشقائهم في البحرين، ولكن أين هي الجامعة العربية؟ أم أن البحرين ليست مثل ليبيا؟ وأين هو مجلس الأمن الدولي الذي أصدر قراراً بالحظر الجوي على الأجواء الليبية؟ وهل المحافظة على المصالح السعودية تبرر إزهاق الأرواح وتهجير الناس وزجهم في السجون تحت عناوين الفزاعة الشيعية وامتدادات الهلال الشيعي.
ونحن في “صدى الوطن”، نقف إلى جانب الشعب البحريني، كما وقفنا إلى جانب الشعوب التونسية والمصرية واليمنية، وكلنا يقين بعدالة ثورته وشعاراتها المرفوعة، وندين ونستنكر “تعاون” الأنظمة الخليجية وإصرارها على ذبح الشعب البحريني في محاولة يقصد منها تقديم البحرانيين بمثابة القربان الكبير الذي ستفدى به الشعوب الخليجية، خوفا من انتشار الثورة في شبه الجزيرة العربية..
إرفعوا أيديكم عن البحرين وشعبها. وكفوا عن إثارة الغرائز المذهبية. فشعب البحرين هو شعب عربي أصيل لا تقل عروبته عن أي شعب آخر، في الخليج أو غيره، مهما حاولتم تشويه ثورته ووصمها بالتبعية للخارج.
وآن أن يفهموا أن الانتماء العربي ليس انتماءً مذهبياً، ولا طائفياً، وأن ثورات العرب لها لون واحد.. هو لون الحرية والكرامة.
Leave a Reply