ها هي سوريا على أبواب القيامة، بعد أربعين عاماً من وأدها في الثلاجة المظلمة الباردة، ومن مصادرة تاريخها وحريتها وصورتها المشرقة، بقانون طوارئ يضع السوريين جميعهم تحت الشبهة، وببراثن قبضة أمنية، لا تعرف الرحمة.
ضخة أوكسيجن واحدة من جنوب الوطن، كانت كافية لتسميم النظام، وحقنه بالزرقة والغضب، ليبعث العسكر والقوات الأمنية، لتحول الجامع العمري في درعا.. إلى مسرح للمذبحة. وسقوط عشرات من الشهداء لن يهز رمش النظام.. الذي قتل عشرات الآلاف في مدينة حماة في بداية الثمانينات، متبعاً سياسة الأرض المحرقة، في سلوك يماثل همجية البرابرة.
وهاهي درعا تنتقض، لتصبح العين التي تقاوم المخرز، ولتكون درع الوطن وترسه وسيفه وضميره وحصانه وقصيدته: من حوران هلت البشاير!
ولكن النظام لا يريد الاعتراف بمطالب الناس. لا يريد الاعتراف بشرعية الثورات وعدالتها في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن. ويريد بدلاً من ذلك إكمال المسرحية الهزيلة البائسة. يخرج الناس مطالبين بالحرية ورفع قانون الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين، فتزيد الحكومة رواتب الموظفين، فأية مسخرة هذه؟!
يعبر البعض بطريقة سلمية عن آرائهم، فيزج بهم في أقبية السجون، لا فرق بين رجل ثمانيني (هيثم المالح)، أو فتاة مراهقة (طل الملوحي)، أو أطفال مدارس كتبوا على حيطان المدارس شعارات ضد النظام. ثم يتحدثون عن الحرس القديم الذي يقف في وجه الإصلاح والتغيير. حتى الحرس القديم يتحرج ويخجل مما يقوم به الحرس الجديد، فهل يعقل أن يلقى تلامذة المدارس في السجون من أجل بضعة كلمات؟
كل العرب رفعوا شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، والسوريون خرجوا عن ذلك السياق، وهتفوا: “الشعب السوري ما بينذل”. وهذا الشعار لا يعني إلا شيئاً واحدا.. وهو أن الشعب السوري تعرض على مدى أربعين للإذلال، وديست كرامته بالبوط العسكري على الملأ..
كسر الدرعايون جدار الخوف، وقبلهم الدمشقيون والآخرون. خرجت حرائر سوريا وهتفن بالحرية. خرجت سهير أتاسي وناهد بدوية ومرة الغميان وغيرهن. وخرج الثائرون في حوران، من أجل انتشال الكرامة السورية من الحضيض والتردي، ورفعوا مناسيب الشجاعة والمروءة لدى معظم السوريين.
وعلى السوريين في المهاجر أن يتحملوا مسؤلياتهم تجاه شعبهم وأن يساندوا شركاءهم في الوطن، بأضعف الإيمان، بالكلمة، بالمساندة الأخلاقية، بالتظاهر، بالتواصل مع المؤسسات المدنية والحقوقية والإعلامية. فليس من النبل والشهامة، أن نتابع أحداث درعا على شاشات التلفزة، كما لو كنا نتابع مسلسل باب الحارة. مفهوم أن يخاف الناس في دمشق وحمص وحلب وباقي المدن السورية، أما أن يخاف السوريون في واشنطن ولندن وباريس وباقي مدن العالم، فليس لهذا أي تبرير، وتذكروا تلك المقولة التي وردت في إحدى قصص “كليلة ودمنة” والتي تقول: “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”.
أيها السوريون في كل مكان، عضوّا على هذه الثورة بالنواجذ، واحموها برموش العين، لأنها إذا فشلت، فسوف تدخل سوريا في نفق طويل ومظلم من الاستبداد والفساد والقمع. سندخل إلى الثلاجة الباردة المظلمة مرة أخرى..
واحذروا من المندسين والمتلاعبين والمأجورين الذين يريدون الإساءة إلى نقاوة الثورة وشرفها، فالسوريون من جميع المكونات يريدونها ثورة سلمية عادلة ضد الطائفية.. ومع المقاومات العربية في لبنان وفلسطين.
Leave a Reply