لم يحصل في تاريخ العالم القديم والحديث أن تآمرت دولة على مقاومتها الوطنية بوجه عدوها الذي يحتل ارضها كما تآمرت الدولة اللبنانية بمعظم مكوناتها على المقاومة في حرب تموز 2006. فلا يمكن بعد الآن أن يدعي أحد بأن حملته على سلاح المقاومة هي نابعة من سوء استعمال هذا السلاح في الداخل اللبناني، لأن ما كشفته وثائق “ويكيليكس” يفضح هؤلاء المسؤولين ويكشف تآمرهم على المقاومة وعلى الشعب اللبناني منذ حرب تموز 2006.
لا يمكن، بعد الآن، لأي عضو في “تيار المستقبل”، إن كان يحترم نفسه ويحترم عقله وعقول الآخرين، أن يوجد المبررات ويختلق الأعذار لقيادته في تآمرها على المقاومة في جرم الخيانة العظمى الذي ارتكبته بحق لبنان، أرضاً وشعباً، ولا يمكن لأي عضو في هذا “التيار الظلامي”، لازال يتمتع بذرة منطق ولا زال يملك ذرة من الشعور الوطني، أن يستمر بالانتماء لـ”تيار” يتآمر رئيسه مع اسرائيل لقطع رأس المقاومة وإبادتها عن بكرة أبيها وإبادة شعب ذنبه الوحيد أنه يقطن الجنوب والبقاع ويشكل جيش المقاومة وخزانها البشري.
أي عضو في “تيار المستقبل”، وليس أي عضو في “القوات اللبنانية” أو “الكتائب” أو “الأحرار”، لأن هؤلاء معروفو الانتماء والهوية منذ أن وجدوا، أما “تيار المستقبل” الذي ما انفك يطربنا بدعم الرئيس رفيق الحريري للمقاومة وبتسطيره “ملحمة تفاهم نيسان” الذي “شرعن المقاومة” (وكأن المقاومة كانت بحاجة الى من يشرعنها ويعترف بها). فهؤلاء الذين ما إن تناقشتهم بالأمر حتى ينبروا مستعرضين تاريخهم المقاوم بوجه اسرائيل، فمنهم من كان “مناضلا” في الحزب الشيوعي وله صولاته وجولاته في مقارعة الاحتلال، ومنهم من كان في “جبهة العمل الشيوعي” ومنهم من ادعى بطولات في “الكتيبة الطلابية” ومنهم من حمل السلاح إبان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982.. ومنهم ومنهم.
ولكن ماذا عن اليوم؟ أين أنتم اليوم؟ وإلى أي درك وصلتم؟
ما هو تبريركم لخيانة زعمائكم ومسؤوليكم؟ طبعا لن نقبل ولن يقبل أي عاقل بالرد الهزيل والضعيف الذي يعتمد على عدم صحة وثائق “وكيليكس” والتشكيك بها.
وللتذكير فقط، فقد أجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اتصالات بكل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وبالرئيس الفرنسي ساركوزي وبالملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز وعدة رؤوساء آخرين للاعتذار عن ما سببته الوثائق من اهانات لهم. مع العلم بأن وزارة الخارجية لم تشكك بصحة الوثائق المنشورة، وإن كان المتهمون بالخيانة العظمى، من فؤاد السنيورة الى سعد الحريري ومروان حمادة والياس المر وبطرس حرب ونسيب لحود وغطاس خوري، “مقتنعين” ببراءتهم، فليطالبوا السفير الأميركي في لبنان آنذاك، جيفري فيلتمان، بإعلان موقف علني ومحدد من الوثائق، أو فليعلنوا على الملأ أن “العزيز جيف” هو محض كاذب وملفق، إن كانوا يجرؤون على ذلك.
وليد جنبلاط اعترف بجرمه وخيانته، وذلك لا يرفع عنه المسؤولية المعنوية والأخلاقية، وهو ان كان حتى تاريخ نشر الوثائق يتمتع باحترام على جرأته فقد فَقَد هذا الاحترام لدى معظم اللبنانيين، ولن ينفع سرد كل تاريخه في المقاومة والتصدي لاسرائيل، وسيسجل التاريخ اللبناني، وستدوّن المقاومة، في دفتر يومياتها، اسم وليد جنبلاط الى جانب من خانوها وتآمروا عليها تحت أجنحة الظلام.
أما سمير جعجع فقد تحلى بوقاحته المعهودة عندما تباهى بأن ما يقوله في العلن هو تماما ما يقوله في الجلسات المغلقة. وللانصاف فإن الرجل لم يكن في خانة من تآمر وخان المقاومة لأنه لازال يعتبر نفسه في الجهة المقابلة..
لن يسكت التاريخ عن هؤلاء الخونة وسيعلقهم على مشانقه.
سجِّل يا تاريخ، بأن تيار الرئيس رفيق الحريري تحول الى عصابة مذهبية خائنة للوطن وللشعب.
سجِّل يا تاريخ أسماء كل الخونة على لائحة العار، وعلقها على أضرحة الأطفال الشهداء في قانا وفي بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب والجبين…
سجِّل يا تاريخ بأنهم، للأسف، خونة من بلادي.
أما ما قاله الوزير محمد جواد خليفة في اجتماعه السري مع السفير جيفري فيلتمان بعد انتهاء الحرب في 19 آب 2006، وبطلب من خليفة نفسه، لا يخرج عن هذا السياق. وإن كان يندرج في إطار تقديم أوراق اعتماده للأميركي، في لحظة شديدة الحساسية، وفي سعي مبكر لوراثة نبيه بري سياسياً.
الأمر الذي يتطلب خطوات عملية وفورية من مرجعيته السياسة لمحاسبته وإحالته على القضاء لينال الجزاء على تسريبه معلومات ميدانية بعد انتهاء الحرب عن المقاومة وخسائرها العسكرية والبشرية، إضافة الى تسريبه معلومات سياسية تتعلق بمجلس الوزراء وبالعلاقة بين الرئيس نبيه بري والمقاومة، لأن ذلك، دون أدنى شك، يندرج تحت عنوان التآمر والخيانة.
هل سنرى معالي محمد جواد خليفة وزيرا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟ سؤال يضع بعض المسؤولين الكبار على المحك.
بعد “ويكيليكس” لا تقل لي من أنت.. قل لي ماذا قلت.
Leave a Reply