بيروت –
اغلقت بورصة المشهد السياسي في لبنان للأسبوع الماضي على أحداث سوريا. ذلك أن التّماس الجغرافي والاستراتيجي بين مصالح البلدين يفرض بشكل طبيعي تداخلا أمنيا ينعكس بين العاصمتين على شكل أحداث ميدانية وضبابية في العملية الحكومية.؛ وهو بالفعل ما كشفه مخاض ولادة الحكومة التي دخلت عمليا مرحلة العد العكسي في حين برزت الى السطح أزمة انفتاح البلد أمنيا على أي خضة اقليمية أو دولية مع اختطاف سبعة سيّاح استونيين وتفجير امام كنيسة في زحلة.
تفاؤل بولادة الحكومة
ومع أن بداية الاسبوع شهدت تفاؤلا على صعيد تشكيل الحكومة، فإن سرعة التحولات في العالم العربي فرضت تباطؤاً في ايقاع المفاوضات الدائرة بين الأطراف المعنية، ما اضطُّر رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي اجراء جولة جديدة من اللقاءات بهدف تذليل العقبات. وبدا واضحا الدور المركزي لكل من المستشار السياسي لأمين عام “حزب الله” حسين الخليل والنائب وليد جنبلاط على هذا الصعيد، علما أن الحديث يدور في الكواليس عن عقد في تمثيل الطائفة السنية ووزارة الداخلية، في حين اطلق رئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان عدة مواقف “تحذيرية” من ضرورة اعطائه حقيبة وزارية “محترمة” والا سينقلب الى معارضة الحكومة الجديدة!
وفي السياق نفسه، صدر عن البطريرك الماروني بشارة الراعي موقف من تشكيل الحكومة، فأعلن أنه يعارض حكومة “من لون واحد لأنها تخالف الدستور”، مطالبا بـ”حكومة تكنوقراط تتولى تسيير الامور إلى حين اتفاق المسؤولين في ما بينهم، وإذا تعذر ذلك، فلا بد من حكومة تضم الجميع”.
وأبدى الراعي دعمه الواضح لبقاء زياد بارود وزيرا في الداخلية، حين وصفه بـ”الوزير الوطني الذي يمثّل الأمل لكل لبناني ولا يمكن لأحد أن يستغني عنه”، ما يؤشر الى امكانية كبيرة لحسم عقدة الداخلية لصالح ارضاء البطريرك الجديد.
تورط تيار المستقبل في سوريا
لم تمر ساعات قليلة على بدء الاحتجاجات المطالبة بإصلاح سياسي في سوريا، حتى بدأ الحديث عن تورط مباشر لتيار المستقبل في تمويل وتحريض جزء من هذه الاحتجاجات، حتى أن صحفاً عربية نقلت تحذيرا أرسلته القيادة السورية الى المعنيين في لبنان إزاء هذا الموضوع، كما تردد أن السلطات الأمنية في دمشق بصدد تحضير ملف تفصيلي يثبت تورط لبنانيين في أحداث سوريا.
وإن كان لا يزال مستوى هذا التورط غير واضح المعالم بشكل رسمي، فإن وسائل إعلام محلية تحدثت عن توقيف السلطات السورية لـ7 مراكب محمّلة بالسلاح في ميناء اللاذقية، قادمة من مدينة طرابلس في لبنان.
الشأن السوري كان حاضرا أيضا في شوارع بيروت، حيث تظاهر الاف السوريين لأيام متتالية في احياء رئيسية من العاصمة اللبنانية تأييدا للرئيس بشار الأسد. وتعرضت هذه التظاهرات أكثر من مرة لاعتداءات من قبل مناصرين لتيار المستقبل، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى من الجالية السورية.
وفي حين تخوفت مصادر مطلعة من انعكاس سياسة تيار المستقبل في الشأن السوري سلبا تجاه العلاقة بين البلدين، يبدو واضحا أن هذا الملف لن يطوى من دون اجراء جردة حساب بين البلدين.
وسرعان ما توالت المواقف الرسمية اللبنانية المستنكرة لأعمال الشغب في سوريا،
فكان الرئيس ميشال سليمان من أول الشخصيات الاقليمية التي اتصلت بالرئيس الأسد اكثر من مرة خلال الاسبوع، مؤكدا وقوف لبنان إلى جانب سوريا “في وجه أي مؤامرة تتهدّد أمنها واستقرارها وخياراتها الوطنية والقومية”.
كما أعرب سليمان عن “الثقة في مقدرة القيادة السورية، بما تتمتع به من حكمة ودراية وعزم على المضي قدماً في تنفيذ السياسات الهادفة لتعزيز مقومات صمود سوريا وسيادتها وعزتها وكرامتها وهناء شعبها”.
أما الرئيس نبيه بري فاعتبر أن كلمة الأسد “تشكّل الحركة التصحيحية الثانية بقيادة الرئيس الاسد بعد الحركة التصحيحية الاولى التي قادها الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد”. ولفت بري الى انه “في الحركة الاولى، وضع الرئيس الراحل الاسس لسوريا المنيعة حصن وبوصلة العرب، ومسطرة قياس الموقف السياسي من قضايا الامة، وفي الحركة التصحيحية الثانية يضع الرئيس بشار اسس سوريا الحديثة، سوريا حضن الحرية والمشاركة والديموقراطية المصنوعة وطنيا، ودولة الحقوق المدنية، ودائما قلعة المقاومة والممانعة”.
وشدد بري على انه “الآن تزداد ثقتنا بالاستقرار في سوريا، وهوالامر الذي يزيد من ثقتنا بانفسنا وبموقفنا الثابت المعلن ان استقرار سوريا ضرورة وحاجة عربية ولبنانية على وجه الخصوص”.
بدوره النائب وليد جنبلاط اعتبر أن “سوريا، كما المنطقة العربية بأكملها، تمر بمرحلة حساسة ودقيقة، تتطلب قراءة هادئة لكل التطورات السياسية والمتغيرات والتحولات المتلاحقة وتستوجب من الجميع التحلي بأعلى درجات المسؤولية بما يحفظ استقرار المنطقة وعدم انزلاقها نحو الفوضى والتقسيم والتفتيت من جهة، ويلبي طموحات وتطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من جهة اخرى”، موضحا أن “خطاب الرئيس السوري بشار الاسد امام مجلس الشعب يفتح آفاقا ايجابية، بعد القرارات التي اتخذتها القيادة القطرية لحزب البعث منذ ايام، لاحداث تغييرات هيكلية وجوهرية تصب في مصلحة الشعب السوري اذا ما تمت متابعتها وتطبيقها بجدية، وتسهم في تكريس الوحدة الوطنية السورية واستقرارها الداخلي”.
وأشار جنبلاط الى أن “سوريا ليست بحاجة لدروس في الوطنية والقومية لا سيما من بعض الاصوات الغربية المشبوهة التي تقول بالاصلاح وهي في الواقع تريد تدمير سوريا واغراقها في الفوضى وانعدام الاستقرار وهذا ما يحتم تنفيس الاحتقان والتوتر القائم، والذي يتخذ للأسف بعض الاعتبارات الطائفية والمذهبية في مناطق سورية معينة، لقطع الطريق امام اي فرصة للتغلغل الى الاستقرار السوري”.
وتوجه الى “الذين يترقبون بشغف في لبنان، تطور الاحداث في سوريا”، فأوضح أنه “قد يكون من المفيد تذكير هؤلاء بأن أمن لبنان من أمن سوريا، وبالعكس وبالتالي فإن الاستقرار في سوريا يصب في المصلحة الوطنية اللبنانية، وهذه معادلة استراتيجية، بعيدا عن بعض الاصوات اللبنانة الضيقة الافق من هنا وهناك”.
خطف الاستونيين
على صعيد آخر، تواصل القوى الامنية والعسكرية عمليات التفتيش والمداهمة في البقاعين الاوسط والغربي، بحثا عن سبعة سياح أستونيين المخطوفين، بعدما تمكنت من تحديد الحيز الجغرافي الذي يرجح تواجدهم فيه.
ولئن كانت دوافع الاختطاف لم تُحسم بعد، فإن معظم المؤشرات تصب في خانة الارتباط بالوضع في ليبيا، علما أن الاتحاد الاوروبي أوفد محققا أستونيا وآخر فرنسيا لمواكبة التحقيق الجاري مع الموقوفين.
وسربّت مصادر أمنية أن تفاصيل عملية الخطف باتت مكتملة العناصر لدى الاجهزة الرسمية، مشيرة الى وجود شكوك في انتماء الخاطفين الى مجموعات سلفية تعمل لمصلحة جهات خارجية. وعُلم أن السلطات الأمنية اوقفت ثلاثة أشخاص لهم ارتباط بالقضية. في حين أعلن وزير الخارجية الاستوني أورماس بايت بأن مختطفي السياح الاستونيين السبعة لم يعربوا عن أي مطالب حتى الآن، مشيرا إلى الغموض التام حول مكان وجودهم.
وأعلن بايت أن “المختطفين ليسوا إرهابيين، ولكنهم من أصحاب السوابق” من دون تقديم معلومات اضافية.
تهويل اعلامي اسرائيلي
في خضم الأحداث السياسية والأمنية في الداخل اللبناني، أدلت اسرائيل بدلوها، من خلال حلقة جديدة من مسلسل التهويل الإعلامي ضد الشعب اللبناني، حيث عرض الناطق باسم الجيش الاسرائيلي خريطة اسرائيلية، يقول القادة العسكريون للعدو إنها تظهر مواقع عسكرية تابعة لـ”حزب الله” في الجنوب.
وبحسب الاستخبارات الإسرائيلية، فقد بنى “حزب الله” مئات الخنادق وملأها بأسلحة سورية منذ العام 2006. وتظهر الخريطة التي نشرتها أيضا صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، ما تقول اسرائيل انها نقاط التخزين التابعة لـ”حزب الله”، أكثر من 550 نفقا محصنا، 300 موقع مراقبة، بالإضافة إلى 100 موقع لاستخدامات مختلفة.
وتندرج هذه الحملات الاسرائيلية في سياق التمهيد لاجتياح القرى المأهولة في حال نشوب أي حرب، مع ان احتمال المواجهة في هذه المرحلة يبدو بعيدا.
Leave a Reply