يسقط بدري، يسقط، يسقط!.
غوار، البسيط، المشاغب، في “حارة كل مين إيدو إلو”، لم يملك إلا هذا الصراخ للاحتجاج ومواجهة جبروت رئيس المخفر أو السلطة، بدري بيك في المسلسل الشهير “صح النوم”.
واليوم ماذا يملك شعب سوريا، وبعد أربعين سنة من حكم آل بدري بيك؟ ليس لديهم إلا هذه الصرخة: فليسقط بدري بيك، فليسقط! بعد أن حبسوا هذا النداء في صدورهم سنوات طويلة، كان فيها بدري بيك يحصي عليهم همساتهم وأنفاسهم وصلواتهم.. وحتى روائحهم التي كان يشمها أنفه الذي لا يخطئ! وحسب ذوقه يدخلهم في حبس مظلم وبارد.
لقد حكم بدري بيك سوريا ثلاثين سنة ملأ فيها الميادين والساحات بتماثيله وصوره. حتى في مطار بيروت الدولي، آنذاك، علّقت صوره وصور ابنه. المسافر أو القادم من وإلى لبنان، كان يظن أن الطائرة حطت رحالها في مطار دمشق. التلفزيون والإذاعة والصحف السورية، كانت كلها تمجد وتفخم أقواله وخطاباته الفارغة، والشعب صابر، لا حول له ولا قوة. وبعدما أصاب الزعيم المرض وأدرك أن ساعته آتية لا رب فيها، لم يترك شعبه وحده، بل بدأ بتحضير البلاد لخلافة ابنه في “حكم الشعب العظيم والوفي له”.
ولو!
كل ذلك الشعب العظيم ليس فيه واحد مؤهل ليكون رئيس جمهورية بعده؟
“يكفي السوريين فخرا أن بشار ووالده لم يصافحا إسرائيليا”. كل أمهات الشهداء في لبنان لم يصافحن إسرائيليا، وأكثر من ذلك.. قدموا للوطن شهداء ودماء وأرواحا وخسروا منازلهم وأرزاقهم. أمهات الشهداء أشرف الناس والفخر لهن.
لن ينسى اللبنانيون التدخل السوري في لبنان أيلم حرب المليشيات، عندما قاربت الحركة الوطنية آنذاك من القضاء على كل أوكار الخيانة والطغيان والرجعية اللبنانية، وكيف نصرت القوات السورية الظالم المهزوم على المظلوم المنتصر. أي منطق هذا؟ بقيت قوات الردع السورية 30 عاما في لبنان، منارة الشرق وعلامته الفارقة، وحولته بمساعدة بعض اللبنانيين، غير الشرفاء وغير الأمناء، إلى وطن هزيل تابع لسلطتها، بينما الحدود السورية مع اسرائيل ساكنة وآمنة و”تمام التمام”.
صحيح أن الرئيس السوري لم يصافح إسرائيليا، ولكن نظامه قتل كمال جنبلاط والشيخ حسن خالد ونقيب الصحافيين رياض طه وناشر مجلة الحوادث سليم اللوزي وغيرهم. كانت، ولا تزال، عيون الأمهات اللبنانيات تبكي، بينما تنام الأمهات الاسرائيليات بأمان بفضله.
“حقا الرئيس بشار الأسد هو أشرف رئيس عربي، وجزء من شعبه”، كما وصفه أحد الكتّاب، حيث باشر بعد تسلمه السلطة الى ازالة صور وتماثيل والده، ومنح الشعب حريته وأطلق سراح المثقفين وسمح بحرية القول والعمل ولم يترشح لولاية ثانية وسحب قواته من لبنان، ولم يرض أن يكون يد البطش عند زمرة الحكم التي تقف وراءه وتسانده، ولو كان المرحوم أبو عنتر حياً، ورأى المظاهرات وسمع الشعارات ضد الرئيس بشار الأسد لصرخ بصوته الجهوري ضد الشعب السوري: باطل!
أما عن دعمه غير المشروط للمقاومة “فيا ريت يكون هالكلام صحيح”.
المقاومة في لبنان، دعمها الشعب اللبناني، وحرسها الجيش اللبناني. ودفع ثمنها الشباب اللبناني والإنسان اللبناني في جنوب لبنان الذي صمد وصبر وقاوم الاحتلال الداخلي والخارجي بعيونه. المقاوم اللبناني الذي سهر الليالي في البرد والحر والجوع والخوف، له وحده الفخر والشرف، والخزي والعار لمن تسبب وأعان في قتل أشرف قواد المقاومة الشهيد عماد مغنية. ويا ألف عيب الشوم على من تعامى عن تغييب السيد موسى الصدر وإخفائه لمدة 30 عاماً.
نعم، وبالفم الملآن، فليسقط بدري بيك، ولتسقط معه كل الرؤوس التي ملأها الغرور والتجبر والكبر والعظمة الفارغة، ولتحرق النار كل الأيادي التي سرقت ونهبت شعوبها وما زالت، ولتقطع كل الأكف التي تصفق وبحرارة لزعيمها الصنم في أي حارة مثل “حارة كل مين إيدو إلو” مقابل المال أو المنصب. إذ لعل وعسى يستيقظ الشعب العربي النائم ويظهر فيه زعيم مثل الزعيم الجنوب افريقي نلسون مانديلا يدخل السجن لأجل شعبه، لا زعماء تضع شعوبها في السجون، مثل زعمائنا.
Leave a Reply