العرب والمسلمون في منطقة ديترويت، وفي مدينة ديربورن على وجه الخصوص، يعيشون هذه الأيام في أجواء أزمة. هذه الأزمة ليست ناجمة عن أوضاعهم المعيشية التي لاتزال، رغم قسوة الأزمة الاقتصادية في الولاية والبلاد، قابلة للإدارة والتعايش معها.
“أزمة” العرب والمسلمين سببها بكل بساطة، تصريح أدلى به القس المتعصب تيري جونز أعلن فيه عن نيته القيام باحتجاج أمام أحد المراكز الإسلامية (المركز الإسلامي في أميركا) على “الجهاد” و”قانون الشريعة” الذي يعتقد جونز بوجوده في ديربورن ليس عن جهل، بل على الأرجح، انطلاقا من عملية تضليل واسعة تشهدها أميركا على أيدي جماعات مسيحية يمينية متطرفة ومنظمة أشد التنظيم ضد العرب والمسلمين في هذه البلاد.
“ظاهرة جونز” ليست جديدة على المجتمع الأميركي والغربي عموما. فالمسلمون والعرب تعرضوا في العقد الأخير، منذ ما بعد اعتداءات “11 أيلول”، تحديدا الى أذى منظومة من الاستهدافات التي طالت أعمالهم وأحيانا حياتهم، دون أن يعني ذلك أنهم باتوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة في عين القانون الأميركي الذي لايزال يرعى وجودهم كمواطنين على قدم المساواة مع الأميركي الأبيض والأسود والأصفر واللاتيني.. ألخ.
الغريب هنا ليس تجرؤ جونز وأمثاله من المتعصبين على الاسلام. فعرب ومسلمو ديترويت وديربورن، دأبوا على مدى السنوات القليلة الماضية على تلقي الاهانات بحق دينهم ونبيهم على أثير احدى الاذاعات المحلية الناطقة بلغة الضاد، وعلى لسان قس “عربي” بإسلوب فظ وفاضح ولم يتداع أحد، لا للتظاهر ولا للاحتجاج أمام مبنى الاذاعة المعروف.
الغريب هو أن اعلان جونز عن نيته الاحتجاج أمام المركز الاسلامي يكاد أن يفقد جالية عربية ومسلمة كبيرة ومتجذرة في المنطقة توازنها والقدرة على التصرف بشكل صائب.
سلسلة من الاجتماعات حصلت حتى الآن في عدد من الأماكن، ومبادرات أطلقها أفراد وجماعات ارتطم بعضها بالبعض الآخر لينجم عنها فقط المزيد من الارباك والفوضى.
أصوات تدعو الى الحكمة والتعقل وتدعو الى تجاهل الزيارة أو منحها الحد الأدنى من الاهتمام. وأخرى تدعو الى التعبئة والزحف الى مكان الاحتجاج لتلقين القس المتعصب درسا لن ينساه.
ماذا يعني وجود المؤسسات والمراكز الاسلامية التي أنفقت عليها الجالية عشرات إن لم يكن مئات ملايين الدولارات حتى الآن، إذ لم تكن قادرة على التعامل مع تحدّ من النوع الذي يمثله تيري جونز؟
ثمة لجنة تدعى “لجنة الأئمة” ناشدت جونز إلغاء زيارته “لتجنب ردود فعل غير عاقلة من مسلمين لا يقلون “جهلا” عنه”! ثم تعود لتدعو المسلمين (غير الجهلة!) إلى عدم الإلتفات الى التصرفات الاستفزازية والعدائية ضد دينهم.
ما هذا التخبط يا أصحاب السماحة؟ أين هي الرؤية القيادية والحكيمة التي يفترض أن توظف في هذا النوع من الحوادث لعدم السماح بأن تتحول الى أزمة، وأن ننشئ لها “خلايا” باتت تعمل على مدار الساعة التي يضبطها لنا القس تيري جونز؟ أليس هذا ما يريده هذا المتعصب المهووس؟ وهل كان يدري أن مبادرته السخيفة ستحدث كل هذه الجلبة وهو لذلك رمى حصاه التافهة في بركتنا الراكدة؟
ثمة، أيضاً، رؤوس حامية كثيرة بين ظهرانينا تملأ هذه الساعات صحفات “الفيسبوك” وتعد بالويل والثبور، وثمة ظواهر صوتية لا تحتاجها الجالية العربية والاسلامية في هذه الأوقات. وما بين هذه وتلك تكمن لنا وسائل الاعلام التي سترعى زيارة القس جونز بأعلى درجات التغطية والاهتمام.
الخوف، كل الخوف أن تصطاد هذه الوسائل الإعلامية مواقف مرتجلة وتسجل تصريحات غير مسؤولة من هذا أو ذاك.
نحن لا نريد لأزمة جونز أن تنجب مجموعة من الأزمات ستكشف حينها أن جاليتنا غير قادرة على مواجهتها.
لتتحمل المؤسسات والمراكز الاسلامية مسؤولياتها في التعامل مع هذه الحالة، والجالية سوف تكون بالتأكيد داعمة ومساندة لكل خطواتها.
وإذا كان ثمة بيننا من يعتقد بأن “زيارة” تيري جونز وبضع عبارات مكرورة وسخيفة سمعناها منه على مدى الأشهر الماضية ستطيح بـ”حصوننا” فهو إما واهم أو متواطئ مع جونز موضوعيا. (يعني دون أن يدري أو عن غير قصد).
بالإمكان تحويل “الزيارة” التي يعتزم تنفيذها القس جونز الى فرصة لإظهار سماحة الدين الاسلامي وتعرية هذا القس المتعصب أمام المجتمع الأميركي. فلا نحن “جهاديون” كما يزعم، اقتناعا أو تضليلا، ولا الشريعة مطبقة في مدينة ديربورن التي سيكون من واجب رئيس بلديتها تسفيه هذا الزعم الأبله أمام اي ساذج قد يصدق ما يسوقه جونز في هذا الاطار.
جونز قد يأتي وقد لا يأتي في 22 نيسان، لكن 23 نيسان يجب أن يكون يوما آخر.
واذا وجد جونز “شريعة” في ديربورن فلينزعها، واذا عثر على “جهاد” فليبلغ عنه!
أما اذا أقدم على حرق القرآن الكريم فالقرآن ليس نسخة من ورق رغم القداسة الرمزية لها. فالمسلمون يحفظونه في الصدور التي لا يمكن أن يحرقها لا جونز ولا غيره من ذوي النفوس المريضة.
فليكف البعض عن تصوير زيارة جونز كأنها “غزو”، ولنتخلص من التفكير الغيتوي الذي يتعامل مع ديربورن بوصفها حصنا منيعا يجب أن نوقف عند أسواره كل من يتطاول على ديننا ومقدساتنا، من أمثال القس السطحي والأخرق تيري جونز، الساعين الى الشهرة والكسب بإثارة الغبار من حولهم.
Leave a Reply