مهما اشتدت الأزمات، وتفاقمت النكبات، يبقى هناك بين البشر من يحافظون على معدنهم الطيب وأصلهم العريق وأخلاقهم الراقية. وجودهم في الدنيا، يخفف من وطأة الألم، وغدر الخلان والبعد عن الأوطان. وواحد من هؤلاء الأوادم، القلائل في الجالية، هو المذيع المتألق الأستاذ صلاح كولاتو، “أبو فرات”.
هو إعلامي مخضرم وصاحب حس فكاهي لذيذ، يشد أذن السامع إليه بأسلوبه الخفيف الرهيف والبعيد عن التصنع والتلون حسب الدولار وغلاء الأسعار وأهواء التجار.
منذ سنوات عديدة، وأنا أستمع إلى برنامجه “إذاعة الشرق الأوسط” الذي يذاع على المحطة المحلية في ديترويت وضواحيها. برنامجه يغطي معظم نشاطات الجالية الشرق أوسطية بكل أطيافها.
بكل محبة يشارك “أبو فرات” الناس أحزانهم وأفراحهم، في معظم المناسبات الوطنية والدينية، ويكون سباقا ليشارك الجميع فرحهم أو لتقديم العزاء لهم في الأوقات الصعبة. يبقى على مسافة واحدة من الجميع، فلا يزايد أو يحابي طائفة على حساب طائفة، ولا مجموعة قومية على حساب مجموعة قومية أخرى، ورغم إتقانه اللغة الكلدانية واللغة الانكليزية، فهو لا يتحدث إلا باللغة العربية المحببة إليه، وبلهجته العراقية المحببة إلينا.
الأستاذ صلاح كولاتو، لم يركب موجة التهجم على العرب والعروبة والانتقاص من الحضارة العربية وتشويه الدين الاسلامي وتحقير رموزه الروحيين. تلك الموجة السوداء التي تطلقها بعض الأصوات النكرة والمشوهة التي لا تخجل من المجاهرة بالسوء والاستعداء الرخيص، وعلى الهواء مباشرة، في برامجهم الإذاعية، ضد كل ما هو عربي وإسلامي والاستهزاء بالعديد من القوميات الشرق أوسطية الأخرى.
على العكس منذ ذلك، لقد لمس الأستاذ كولاتو قلوب الكثيرين من المستمعين بما قدمه ويقدمه من برامج وهو الانسان الذي يدرك أن للإذاعة دورها النبيل في التقريب بين الناس، مكرسا حياته وعلى قدر استطاعته في خدمتها، ومقدما لها عصارة فكره وخلاصة تجاربه على سنوات طويلة في المجال الاعلامي والإذاعي دون أن يميز قوماً على قوم أو دينا على دين.
تشعر وأنت تستمع له، أن هموم الناس هي همومه. ويشعر هو بسعادة غامرة عندما يسهم في تلبية رغبات المحتاجين، من دون توجيه نداءات الى أصحاب القلوب الرحيمة، وخاصة من بعض رجال الدين وبعض رجال الأعمال في الجالية، لأنه لا يحب نغمة الاستجداء والإلحاح. فبرأيه، من يحتاج الى المساعدة في الجالية، يجب أن نعينه عليها دون أن نشعره بذلك.
إذا كان نهر الحياة لا ينضب، فالأستاذ صلاح كولاتو واحد من روافد هذا النهر من خلال ما قدمه ويقدمه في برامجه الإذاعية والمستمرة منذ ثلاثين سنة. وفي أكثرها يفتح نافذة الهواء للمستمعين ليلقوا عبرها بهمومهم وما يشغل بالهم دون إساءة أوجرح لمشاعر الآخرين، أو الإساءة لدينهم أو معتقداتهم.
في عتمة الجو السياسي الذي يكثر فيه حملة القناديل المنطفئة من جماعة نشر الحقد والضلال والكذب هنا في الجالية، أتمنى من الأستاذ كولاتو أن يحتفظ بصوته حراً ومسؤولاً، وأن تبقى كلمته مصدرا للنور والتسامح والخير والإيمان مع تمنياتي له بفصح مجيد، وكذلك للجميع.
Leave a Reply