دمشق – يستمر التسابق بين الإصلاحات التي أعلن النظام السوري القيام بها من جهة، وحركة الشارع السوري من جهة أخرى، التي لا تزال محصورة، بالمقارنة مع ما حصل في دول عربية أخرى مثل تونس ومصر وليبا واليمن والبحرين. إلا أن “الجمعة العظيمة” التي نظمها المحتجون في سوريا، للتأكيد على عدم طائفية التحركات في الشارع السوري قابلها سقوط عشرات القتلى في عدة مناطق في سوريا، رغم أن الجمعة السابقة (جمعة الإصرار)، لم تشهد سقوط أية ضحايا.
ويرى حقوقيون ومعارضون أن السلطات السورية، التي تتهم جماعات مسلحة وتنظيمات سلفية بتنظيم الاحتجاجات وتأجيجها، زاوجت بين الإصلاحات وقبضة أمنية تسجل انتهاكات حقوقية جسيمة.
ومن جهته، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد خلال الأسبوع الماضي، أربعة مراسيم تشريعية مرتبطة بالمطالب التي عبر عنها المتظاهرون خلال احتجاجاتهم في الأسابيع الاخيرة. ونصت المراسيم الأربعة، على إلغاء العمل بحالة الطوارئ، تنظيم التظاهر السلمي، إلغاء محكمة امن الدولة العليا، واختصاص الضابطة العدلية باستقصاء الجرائم والاستماع إلى المشتبه بهم، كما أصدر مرسوماً بتعيين محافظ جديد لحمص التي شهدت مواجهات دامية مطلع الأسبوع الماضي سقط خلالها عدد من المتظاهرين كما تم استهداف عسكريين سوريين.
ولم تمنع قرارات الإصلاح استمرار التظاهرات في عدة مدن في سوريا، وقالت الناشطة سهير الأتاسي، التي اعتقلت الشهر الماضي ثم أطلقت بكفالة، على صفحتها في “تويتر” إن “حالة الطوارئ أسقطت ولم ترفع”.
وشملت التظاهرات بلدات في محيط دمشق، ومدنَ حمص ودرعا وبانياس والقامشلي والسلمية والكسوة واللاذقية ومناطق أخرى. وسقط القتلى، حسب المعارضين، في إزرع في محافظة درعا، وحمص والمعضمية ودوما وداريا ودرعا والقابون وبرزة والحجر الأسود وزملكا وحرستا بفعل إطلاق النار من قبل الأمن السوري واستنشاق الغازات المسيلة للدموع. وكانت وزارة الداخلية قد طلبت السوريين بعدم التظاهر إلا بعد الحصول على إذن مسبق من الجهات المختصة. وبررت وكالة الأنباء السورية (سانا) سقوط القتلى بقولها إن “عناصر الشرطة تدخلت لفض إشكالات وقعت بين مشاركين في التظاهرات وبعض المواطنين، أوقعت قتلى وجرحى من عناصر الشرطة والدفاع المدني في هجمات استهدفتهم”.
وقالت “سانا” إنه “ورغم الحملة التحريضية الواسعة التي تتعرض لها سوريا والتجييش الإعلامي غير المسبوق من قبل محطات أعادت جدولة برامجها لاستهداف سوريا ودعوتها المباشرة للتظاهر وإثارة الفوضى وقيامها بتحديد أماكن التجمعات والتحرك في الساحات والشوارع، وعناوين الشعارات التي سيتم إطلاقها، شهد عدد من المحافظات تجمعات محدودة وعلى نطاق ضيق”.
هجمة غربية
وكان لافتاً خلال الأسبوع الماضي تصعيد الولايات المتحدة والغرب لهجتها ضد النظام السوري، وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما، في بيان، “لا بد من وضع نهاية الآن لهذا الاستخدام المفرط للعنف لإخماد الاحتجاجات. بدلا من الاستماع لشعبه ينحي الرئيس (السوري بشار) الأسد باللائمة على أطراف خارجية في الوقت الذي يسعي فيه للحصول على مساعدة إيرانية لقمع المواطنين السوريين من خلال الأساليب الوحشية نفسها التي يستخدمها حلفاؤه الإيرانيون”.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس تدعو السلطات السورية إلى “التخلي عن استخدام العنف ضد مواطنيها” والبدء بتنفيذ الإصلاحات.
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ “أنا قلق للغاية من الأنباء بشأن القتلى والجرحى في أنحاء سوريا”. وأضاف “أدين عمليات القتل غير المقبولة التي ترتكبها قوات الأمن بحق المتظاهرين”. وتابع “أدعو قوات الأمن السورية إلى ممارسة ضبط النفس بدلا من ممارسة القمع، كما أدعو السلطات السورية إلى احترام حق الشعب في التظاهر السلمي”. وقال إن “على الحكومة السورية تلبية المطالب الشرعية للشعب السوري”، موضحا “يجب تطبيق الإصلاحات السياسية من دون تأخير. ويجب إلغاء حالة الطوارئ بالفعل وليس بالقول فقط”.
تمويل أميركي لمعارضين سوريين
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها الاثنين الماضي ان وزارة الخارجية الأميركية مولت سراً جماعات معارضة سورية وهو ما كشفت عنه برقيات دبلوماسية سربها موقع “ويكيليكس” الالكتروني. وذكرت الصحيفة ان البرقيات أظهرت ان الخارجية الأميركية قدمت منذ عام 2006 ما وصل الى ستة ملايين دولار لمجموعة من المنفيين السوريين لتشغيل قناة “بردى” التلفزيونية الفضائية التي تتخذ من لندن مقرا لها. وذكرت الصحيفة ان الاموال الأميركية بدأت تتدفق على شخصيات معارضة سورية خلال ادارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بعد تجميد العلاقات السياسية مع دمشق عام 2005. وقالت الصحيفة ان الدعم المادي استمر تحت ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما رغم سعي ادارته لاعادة بناء العلاقات مع الاسد. وجاء في تقرير “واشنطن بوست” انه لم يتضح ما اذا كانت الولايات المتحدة مازالت تمول جماعات معارضة سورية لكن البرقيات تشير الى ان الاموال تم تخصيصها بالفعل على الاقل حتى ايلول (سبتمبر) 2010.
رئيس الموساد: الأسد ضعيف جداً
في برقية دبلوماسية أميركية سربها موقع “ويكيليكس” ويعود تاريخها إلى حزيران (يونيو) 2005، قال رئيس “الموساد” الإسرائيلي مير داغان إن الرئيس السوري بشار الأسد ضعيف جدا والدول المحيطة بسوريا تفضل أن يبقى في السلطة ولو كان ضعيفا. البرقية تقول إن جل اهتمام النخبة السياسية السورية هو بقاء السلطة بيد العلويين، كما تفيد البرقية بوجود قوى ليبرالية سورية في الداخل أصبحت مستعدة لركوب الخطر والخروج بمظاهرات ضد نظام الأسد.
Leave a Reply