لمن أحكي كآبتي. عنوان قصة للكاتب الروسي تشيخوف. تدور أحداث القصة حول رجل بسيط، يعيش في قرية فقيرة ويعمل “عربجي”، أي ينقل الناس أو أحمالهم من مكان الى آخر. يموت ابن العربجي وهذا هو الخبر المهم الذي تدور حوله القصة.
حزن العربجي على ابنه كثيرا. ضاق صدره بما يحمل من حزن فحاول أن يحكي كآبته وأحزانه لأحد ما. لم يجد من يستمع إليه، لأن زبائنه إما سكارى، أو مهربون أو مشغولون بأنفسهم عن الانصات لأحزانه، أو مستعجلون وليس لديهم وقت ينفقونه في الاستماع لمشاعر وهموم وأحزان الآخرين.
في نهاية يوم متعب وشاق، وقف أيونا، وهذا هو إسم العربجي، وقف بجوار حصانه وقال له بحزن: يا حصاني العزيز، تأمل ما حدث! لم يعد هناك من يدعى كوزموانيتش، وهو اسم ابنه المتوفى، لقد رحل ابني بعيدا. لقد مات دون سبب مفهوم. مضى دون أن يقول وداعا وترك في صدري ألما وحزنا ثقيلين. هل تسمعني يا صديقي الحصان؟ الآن، لنفرض أن عندك مهرا، ابنا تحبه وتعيش من أجله، وفجأة، لنفرض ذلك، مثلا، قضى ذلك المهر نحبه دون سبب واضح، وتركك تحيا وحيدا من بعده. لاشك أنك ستكون تعيسا وحزينا، ألا تعتقد ذلك؟
مضع الحصان ما في فمه وهو يستمع إلى صاحبه، ثم أرسل زفرة حادة على يدي إيونا. إن مشاعر صاحب العربجي أشد وأصعب من أن يتحملها وحده. إنه لا يستطيع كتمانها. إنه بحاجة لأحد ما ينصت اليه، وهو يسرد كل الحكاية. حكاية موت ابنه المفاجئ. ولما لم يجد أحدا ليبثه شكواه وحزنه، مال على الحصان يحكي له القصة الكاملة.
لمن تبكي وتشكي الأم العربية، أجمل وأصبر الأمهات، وهي ترى دماء أبنائها تسيل عبر شاشات التلفزيون؟
وإلى متى ستبقى الأم العربية حمالة وولادة لأبناء للموت وليس للحياة؟ الأم في اليمن وسوريا وليبيا وقبل ذلك الأم الفلسطينية واللبنانية، من يعزيها ومن يسمعها وهي تئن وتبكي وحيدة بعدما ينتهي مشهد الجنازة وتتغير الصورة على شاشة التلفزيون، ليظهر زعيم آخر، وملك آخر، وغاصب آخر، لأحلامها وأبنائها؟
كان موت ابن العربجي إيونا، قضاء وقدرا، أما موت الأبناء الشهداء من الشباب والشابات في بلاد العرب فهو نهر جار لا ينضب، تماما مثل دموع الأمهات التي لا تنضب، لتبقى زعامات وعروش وكراس.
في الحروب والكوارث والثورات، وحدها الأم هي الخاسر الأكبر. عندما ينقلب المشهد تراجيديا وتدفن الأم ولدها بدلا من أن يدفنها هو ويواريها الثرى بيديه كما تتمنى.
ينسى الجميع ويمضون الى شؤونهم، لكن هناك في مكان ما، في قلب الوالدة الثكلى، تلتهب جمرة من الأنين والحزن، لن يطفئها صور الأم وابنها الشهيد على شاشات التلفزيون والانترنت. لن يطفئها إلا أمل مشرق يمحو الظلم والطغيان وينشر العدل والنور، وهذا ما نصلي له جميعا.. أن لا يذهب دم الأبناء ودمع الأمهات هدرا في الثورات العربية التي تجتاح بعض بلادنا في الشرق الأوسط، كما ضاع دم شهداء فلسطين ودموع أمهات فلسطين. عندها، لن تجد الأم العربية حصانا، أو حجرا أو ترابا عربيا تتكئ عليه وتحكي كآبتها ومرارتها وظلم ذوي القربى.
Leave a Reply