نيويورك، دمشق – شهد الأسبوع الماضي تطورات بارزة على الساحتين السورية والدولية اتجاه سوريا. ففي الداخل اتخذ النظام السوري قرار قمع التحركات الاحتجاجية، في موازاة الاستمرار في “العملية الإصلاحية”. أما في مجلس الأمن الدولي أفشل موقف لبنان وروسيا والصين، إصدار بيان رئاسي يدين قمع المحتجين بعد محاولات أميركية وأوروبية للتدخل في الشأن الداخلي السوري، وفي أوروبا أقدم عدد من العواصم على اتخاذ مواقف استعراضية باستدعاء السفراء السوريين لديها، في الوقت الذي ترددت أنباء عن ان دمشق تتجه الى اصدار حزمة جديدة من الاصلاحات السياسية في الايام القليلة المقبلة، متحدية المجموعات المتطرفة التي تعمل على إشعال الفتنة في اكثر من منطقة سورية.
في الداخل، وفي ظل حرب إشاعات متبادلة، بين النظام السوري من جهة والمحتجين في الشارع والداعمين له ووسائل إعلام عربية ودولية من جهة أخرى، سادت وجهتا نظر متناقضتين إزاء التطورات. المعارضون أكدوا أن النظام السوري شن حملة قمع واسعة لإخضاع سكان محافظة درعا، أما الجهات الرسمية فأكدت أن الجيش السوري دخل الي المنطقة تلبية لاستغاثات الأهالي من مجموعات وخلايا إرهابية.
فقد قال مصدر عسكري مسؤول، في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا)، “أقدمت مجموعات إرهابية متطرفة مسلحة في مدينة درعا وريفها على قطع الطرق وإقامة الحواجز وقنص المارة مستخدمة عربات مدنية بلوحات مزورة لنقل الأسلحة والمتفجرات، وقد تصدت لها وحدات من الجيش وتمكنت من قتل عدد من أفراد هذه المجموعات ومطاردة من لاذ منها بالفرار، وجراء المواجهة سقط شهيد وخمسة جرحى من أفراد القوات المسلحة بينهم سائق عربة صحية وممرض”. وأضاف “كما قامت (المجموعات) بالاعتداء على بعض النقاط العسكرية تجاه الجولان المحتل، ما أسفر عن سقوط ثلاثة شهداء و15 جريحا في صفوف الجيش والقوى الأمنية، ووقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية المتطرفة. وقد تم إلقاء القبض على عناصر بعض الخلايا الإرهابية الذين يخضعون للتحقيق حاليا كما تم ضبط كمية من الأسلحة والذخيرة المتنوعة”.
وقال المصدر، في بيان آخر، “دأبت بعض الفضائيات المغرضة في الآونة الأخيرة على بث أخبار تدعي فيها حصول انشقاق بين وحدات الجيش، في محاولة للنيل من سمعة المؤسسة العسكرية ولحرف الأنظار عن حقيقة مخطط المؤامرة الذي يستهدف ضرب النهج المقاوم لسوريا وزعزعة أمنها واستقرارها. وإننا إذ نستهجن ذلك، نؤكد أن ما تم بثه عار عن الصحة جملة وتفصيلا ويعبر عن إفلاس الجهة التي روجته وعن إخفاقها في تحقيق أغراضها الدنيئة، ولا يخرج عن كونه تضليلا إعلاميا هدفه تشويه الحقائق وتزويرها وصولا إلى ضرب بنية النسيج الوطني للمجتمع السوري عامة ووحدة الجيش خاصة”.
وأضاف المصدر “غاب عن أذهان مروجي مثل تلك الأخبار الكاذبة أن الجيش العربي السوري هو جيش وطني بامتياز، وأنه على امتداد مراحل تاريخه كان وسيبقى نسيجا متماسكا وقوة متراصة في مواجهة التحديات وفي التصدي للمؤامرات التي تحاك ضد شعبنا وأمتنا”.
وأشار رئيس “المرصد السوري لحقوق الإنسان” ومقره لندن رامي عبد الرحمن إلى أن “عدد الضحايا المدنيين وصل إلى 453” منذ اندلاع حركة الاحتجاج في 15 آذار (مارس) الماضي. وقال إن لديه قائمة بأسماء الضحايا المدنيين والمكان الذي سقطوا فيه.
ومن المتوقع أن يشاهد الشارع السوري تصعيداً مع بعد أن أعطت جماعة الإخون المسلمين في سوريا زخما جديدا لدعوة “جمعة الغضب” حينما دعت السوريين للخروج إلى الشارع للمطالبة بالحرية (مع صدور هذ العدد). ودعا “شباب الثورة السورية” على موقع “فيسبوك” إلى مظاهرات جديدة في ما سموها “جمعة الغضب”، وساندتها في ذلك جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة التي قالت في بيان أرسل إلى “رويترز” “لا تتركوا النظام ينفرد ببعض أهليكم، اهتفوا بصوت واحد للحرية وللكرامة، لقد خلقكم الله أحرارا فلا تسمحوا لطاغية ولا لجبار عنيد أن يستعبدكم، والله أكبر ولله الحمد”.
كما وقالت وكالة “رويترز” إن الرئيس بشار الأسد يواجه انشقاقا داخل حزب البعث الحاكم، كما ظهرت علامات على استياء في الجيش بسبب حملة قمع عنيفة لاحتجاجات مطالبة بالديمقراطية.
انقسام دولي
دولياً، فشلت الدول الغربية في إستصدار بيان إدانة لسوريا، حيث قال سفراء في الأمم المتحدة إن المسعى الأوروبي لاستصدار إدانة من مجلس الأمن الدولي لحملة القمع في سوريا ضد المحتجين المعارضين للحكومة باء بالفشل بسبب معارضة من روسيا والصين ولبنان.
وقال دبلوماسي بمجلس الأمن طلب عدم الكشف عن اسمه “لن يكون هناك أي بيان”، مضيفا أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وزعت الاثنين الماضي مسودة بيان يدين “الحملة الأمنية السورية العنيفة ضد المحتجين، ويحث الحكومة على ضبط النفس”.
وفي جلسة نقاشية مفتوحة قالت الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة، ومن بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إن ثمة تدابير يجري مناقشتها لمحاولة وقف “أعمال القتل” في سوريا، وتشمل فرض عقوبات موجهة بحق قادة سوريين.
وأيدت السفيرة الأميركية لدى المنظمة الدولية سوزان رايس المسعى الأوروبي لاستصدار إدانة من مجلس الأمن للإجراءات السورية.
وقالت رايس لمجلس الأمن إن واشنطن “تدين بقوة” حملة النظام السوري ضد المتظاهرين العزل، وعلى المجتمع الدولي أن يوحد موقفه لإدانة القمع في هذا البلد، وعلى الرئيس السوري بشار الأسد أن “يغير سلوكه الآن” ويكف عن القمع الدامي للمتظاهرين.
وقال سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة مارك ليال ونظيره الألماني بيتر فيتيج إن بلديهما سيؤيدان القرارات الجماعية من جانب الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على سوريا. غير أن مبعوثي روسيا والصين قالا أمام مجلس الأمن الأربعاء الماضي إنه لا يمكن اعتبار الوضع في سوريا يشكل تهديدا على السلم والأمن الدوليين، ومن ثم فإن الوضع لا يتطلب النظر في تدابير مثل العقوبات. غير أنهما حثا حكومة الرئيس بشار الأسد على إجراء حوار سياسي لحل تلك الأزمة.
وقال المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، في جلسة علنية للمجلس، إنّ “الاحتجاجات في سوريا ترافقت مع تحريض إعلامي إقليمي، وفتاوى دينية من خارج الحدود تدعو إلى ضرب الدولة”، مشيرا إلى أن بلاده “اتخذت إجراءات إصلاحية عديدة، كما ستتخذ إجراءات حكومية أخرى في الأيام المقبلة”.
وأعلن الجعفري أن “الجمارك السورية ضبطت الكثير من الأسلحة المهرّبة إلى داخل البلاد من مجموعات دينية متطرفة في الخارج”. إلى ذلك، قال رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ردا على سؤال حول ما يجرى في ليبيا وسوريا واليمن، إن بلاده “لديها علاقات متميزة مع سوريا وإننا نتألم لما يجري هناك”، معربا عن أمله “في أن يسود العقل والحكمة لحل هذا الموضوع بشكل عاجل وبالحوار البناء الذي يلبي طموحات الشعب السوري”، فيما قال نظيره المصري عصام شرف “إننا ندعم الاستقرار في هذه الدول الشقيقة، وندعو إلى الحكمة والحوار في التعامل مع هذه الأحداث”، معربا عن أسفه لغياب الاستقرار، مؤكدا أن “دورنا متواجد ويهدف إلى خلق حالة من الاستقرار”.
Leave a Reply